المعرفة تاج الاستغناء
الكاتبة: نِهال الجساسي
كُلّما ازداد الإنسان أدبًا وعلمًا، اقترب من الاستغناء الحق؛ ذلك الاستغناء الذي لا يكون تكبّرًا ولا تعاليًا، بل هو استغناءُ نفسٍ عرفت قدرها، واستقرّت في موضعها، وأبصرت بنور المعرفة ما يُغنيها عن التعلّق بسفاسف الأمور، وعن التشبّث بأذيال الدنيا الفانية.
إنّ مَن تزود بالأدب، ارتقى بروحه وعقله، وتجاوز الشغفَ بما في أيدي الناس؛ لأنّ الأدب يفتح له أبواب الحكمة، ويُعلّمه أنّ الكرامة لا تكون في المنصب، ولا في المال، بل في صون النفس من الذل، وفي تعفّفها عن الحاجة، إلا إلى الحقّ سبحانه.
ومن صقلته معارفُ العلم، أدرك أنّ ما يطلبه الناس في أسواق الحياة إنما هو ظلٌّ زائل، وأنّ المكارمَ الحقّة لا تكون إلا في التجرّد من طمعٍ يُشوّه القلب، ومن رغبةٍ تصدّ عن طريق الفضيلة.
لافتٌ كيف أنّ العلم والأدب يُورّثان صاحبَهما عزّةً لا تُشترى؛ إذ يعلم أنّ العلمَ يجعله وارثًا للحكمة الخالدة، التي تدلّه على طريق الدنيا والآخرة، وأنّ الأدب يُهذّب النفس حتى لا تهوي في مهاوي الطمع.
فمَن كان هذا حاله، تراه عزيزًا بنفسه؛ لا يُغريه مدحُ المادحين، ولا يزعجه ذمُّ القادحين، إذ قد استغنى عن ذلك كلّه، لأنه يعلم أنّ القيمة الحقّة لا تُنال من ألسنة الناس، بل من صدق المرء مع نفسه، ومع ربّه.
وقد قيل: “ما استغنى عبدٌ بعِلمه وأدبه، إلا استغنى عن كلّ ما في أيدي الخلق.”
فإنّما يكفيه أن يرتوي من نبع المعرفة، ويطمئن إلى غنى الروح، فلا يفتقر إلى دنيا تتقلّب بأهلها، ولا إلى أهواء تصرفه عن غايته الكبرى.
«إذا ما طمحتُ إلى غايةٍ
ركبتُ المنى ونسيتُ الحذر
ولم أستشِر في وضوحِ السبيل
ولا أرتضي غير علمي وَزَرْ»