الأسرة ودورها في التربية القرآنية

data:post.title

الأسرة ودورها في التربية القرآنية 


بقلم  : ثريا الربيعية 




الإنسان منذ ولادته يبدأ مشواره الطويل مع مؤسسات التربية والتوجيه، فتحتضنه مباشرة أولى هذه المؤسسات وأهمها على الإطلاق الأسرة، باعتبارها المؤسس الأول في تشكيل فكره وتعزيزه، ومن المفترض أن تكون مؤسسة فاعلة في بناء قيم وتوجيه سلوكيات الأبناء، حيث إن الأسر مصدر القيم وقوام الأمم فلا قيام للأمة إلا بها؛ لأن الأسرة نواة المجتمع، ومحضن القيم التي تصّدرها للمجتمع؛ حيث إنها تنفرد بهذا الدور فترة من الزمن قبل أن تشاركها بقية المؤسسات الأخرى، كالمدرسة أو المسجد أو غيرها. 


إنَّ من أهم الواجبات التي يُناط للأسرة تقديمها هي الواجب التربوي الذي يتضمن تربية الأولاد تربية دينية وخلقية سوية، ومن المؤكد أنه لا يُمكن تحقيق هذا الواجب التربوي إلا من خلال ربط المفاهيم التربوية بالقرآن الكريم، الذي يُعزز الإيمان في وجدان الفرد ، فيجعله يُخلص العبادة لله تعالى ويُحرره من المفاهيم الوهمية التي تُحيط به في المجتمع، فقد أكدت دراسات علمية عديدة أن التربية القرآنية تحوي مبادئ التربية الواقعية وتصوراتها، وتقدم رؤية جامعة لبناء مجتمع إنساني فاضل وتربية متكاملة لأفراده.




 إنَّ الأسرة تُعتبر عامل هام في ترغيب الأفراد في حفظ القرآن الكريم وضرورة الرجوع لكلمات الله تعالى باعتبارها العنصر الأساسي الذي يُمكن الاستناد عليها في التربية، ويُمكن للأسرة الاعتماد على أسلوب الترغيب لتحقيق ذلك، حيث يُعتبر أسلوب الترغيب أبرز الطرق التربوية التي يُمكن للوالدين الاعتماد عليها لتحفيز أبناءهم وربطهم بحب القرآن الكريم؛ نظراً لأنه يُراعي الفروقات والاختلافات الفردية الموجودة بين الأبناء.


 وعلى الرغم من الدور الكبير والهام للأسرة في تحفيز الأبناء نحو حفظ القرآن الكريم؛ إلا أنه يُلاحظ تراجعًا وتقصيرًا في دور الأسرة في التشجيع على تعلم القرآن الكريم، وهذا يُعزى إلى وجود اضطراب في المفاهيم التربوية المعتمد عليها في البيئة الأسرية والبيئات التعليمية بصورة عامة، والذي بدوره سينعكس على سلوك الأبناء وانحراف الجانب الأخلاقي والذي سيؤثر بدوره على مختلف أنظمة الحياة.


وقد تتعدد الأسباب التي ينتج عنها ضعف في مستوى دور الأهل والوالدين نحو تحفيز أبناءهم لحفظ القرآن الكريم، ومن بين هذه الأسباب:

١- الحالة الاقتصادية السيئة التي تُعاني منها بعض الأسر حيث إن الظروف الاقتصادية لها دور كبير على عملية التنشئة الاجتماعية للأسرة والتي قد تُسهم في انشغالها عن تحفيظ أبناءها القرآن الكريم والانصراف نحو البحث عن مصدر للرزق يؤمن لأبنائهم حياة كريمة. 


٢- الخلافات التي قد تتواجد بين الوالدين والتي تؤدي إلى حالة من الشقاق وفي بعض الحالات إلى الطلاق، مما يؤثر على مستوى استقرار الأسر ويُشتت شمل أفرادها.


٣- عدم تأدية الوالدين لدورهم الحقيقي في تربية الأبناء في التوجيه مع ضعف الدور الرقابي مما قد يُسهم في اختلاط أبناءهم مع رفقاء السوء ويُشغلهم عن القيام بالأعمال المفيدة.


٤- ضعف مستوى إدراك ووعي الأهل بأهمية حفظ كلام الله تعالى لتراجع المستوى التعليمي والفكري للوالدين.


ومن الجدير بالذكر أهمية توثيق العلاقات التكاملية القائمة بين والأسرة والمدرسة والمؤسسات الأخرى، والتمسك بالتربية الدينية لتكوين قوة الضمير الجمعي. وحتى تتمكن الأسرة من أداء هذا الدور الفعال في المجتمع فإنه لابد من تحقق مجموعة من المتطلبات التي تتلخص في:

١- ضرورة توجيه الوالدين نحو الإخلاص في النية لوجه الله تعالى، والدعاء للأبناء بالسداد والتوفيق وذلك لما للدعاء من دور هام في تحقيق صلاح الأولاد.


٢- تنظيم خطة زمنية واضحة للأبناء للتقيد والالتزام بها في حفظ القرآن الكريم، مع الحرص على منح الأبناء الوقت الكافي لأداء نشاطاتهم الأخرى، ويمكن استخدام أحد تطبيقات حفظ القرآن الحديثة وتخصيص الوقت المناسب وبالأخص الأوقات التي يكون فيه الابن في قمة نشاطه


٣- العمل على وجود مؤسسات متخصصة لخدمة الأسرة وتقديم الدعم للوالدين، مع التوعية بالقيمة التربوية لربط الأبناء بالقرآن الكريم ومستوى تأثيره على سلوكياتهم، ليكونوا عناصر فعالين وإيجابيين.

٤- تعزيز الاهتمام الأسري في عمل خطة أسبوعية لاستثمار وقت فراغ الأبناء بما يعود عليهم بالنفع والفائدة، كعمل الحلقات القرآنية والالتزام بآداب التلاوة، وتشجيعهم على الالتحاق بمسابقات القرآن المحلية.


٥- أن يكون أسلوب التعامل مع الأبناء في البيت قائم على الحب والاحترام، وتعزيز التفاعل الإيجابي والحوار والمناقشة مع الأبناء، مما يزيد من التماسك الجماعي داخل الأسرة.


ومن مما سبق فإن أنجع وسيلة لتعزيز دور الأسرة وأعمقها أثرًا في ربط الأبناء بالقرآن الكريم وغرس محبته هي القدوة الحسنة، المتمثلة في تطبيق الوالدين عمليًا لمبادئ القرآن الكريم؛ فلابدّ أن يكونوا قدوة مثلى بأفعالهم ودعاة بأخلاقهم، ويجب أن يكون كل مربي محيطًا بالأساليب التربوية لغرس قيم القرآن متمثلًا بحاله ومقاله، في ذلك خيرية عظيمة كما كان يفعل النبي ﷺ الذي جعله الله لنا الأسوة الحسنة فقال الله تعالى: ﴿لَّقَدۡ كَانَ لَكُمۡ فِي رَسُولِ ٱللَّهِ أُسۡوَةٌ حَسَنَةٞ لِّمَن كَانَ يَرۡجُواْ ٱللَّهَ وَٱلۡيَوۡمَ ٱلۡأٓخِرَ وَذَكَرَ ٱللَّهَ كَثِيرٗا﴾  الأحزاب : ٢١

Abrar Al-Rahbi
الكاتب :