المفاجآت
بقلم: بدرية مبارك الدرعي
فى مساء خانق من ليالي الشتاء، دق جرس الهاتف كجرس إنذار المصيبة، وأعلن الخبر:
"والد زوجك".. نقل إلى العناية المركزة بعد أزمة قلبية حادة "وصلنا إلى المستشفى،
الأطباء يتحركون بسرعة، الأصوات متداخلة وصفارات الأجهزة تخترق جدران الصمت
مرت الدقائق التي بدت كالساعات ثم خرج الطبيب المناوب، وجهه شاحب كأنما دفن للتو أملًا وقال :"جڙبنا ثلاث صدمات كهربائية.. لكن قلبه لم يستجب، ويؤسفنا أن نعلن نبأ وفاته، انهارت والدته باكية، وتمسكت بباب الغرفة، بينما كاد زوجي أن يسقط من شدة الصدمة، فجأة، ظهر طبيب شاب لم يكن في الفريق الأساسي، كان يحمل بين يديه ملفاً وبعض المعدات، لكن عينيه كانتا تلمعان بطريقة لم نرها في عيون البقية، دخل إلى الغرفة بخطوات سريعة، نظر إلى الأجهزة، ثم إلى الجسد المسجى، التفت إلى زملائه، وقال بنبرة فيها شيء من التحدي:"طالما اعتبرتموه ميتًا، لماذا تخشون رفع الفولتيه؟! ما الذي نخسره؟ أجابه الطبيب الأول بتردد :"الفولتيه هذه قد تدمر خلايا المخ نهائيا" رد عليه الشاب بثقة :"لكنكم أعلنتم وفاته، دعه يرحل بعد أن نحاول للمرةالأخيرة"رفع الفولت، وضع الصاعق على صدره، صدمة أولى لم يتحرك شيء، الثانية تحرك جسده،الثالثة فجأة ارتفع صوت الرنين على الشاشة، عم الذهول الغرفة، نظر الجميع إلى الشاشة التي أعلنت الحياة، ثم إلى الطبيب الشاب وكأنهم لايصدقون، عاش بعدها والد زوجي ستة وعشرين عامًا، رأى أحفاده، وعاد ليحكي القصة بنفسه كلما اجتمعنا.
سؤال: هل توقع كل هؤلاء أن تعود الحياة لهذا الشخص بعد أن أعلن نبأ وفاته؟؟
على الأرجح: لا، سمعت قبل وفترة وجيزة إن أبنًا رافق أبيه في رحلة علاج إلى الخارج، وشاءت الأقدار أن يذهب الأبن قبل الأب إذ وافته المنية هناك وعاد الأب سليمًا معافى يحمل نعش أبنه.
أتعلم ماهذا أيها القارىء؟؟أنها المفآجات، مفآجات الحياة.. فالمفآجات هي:تلك الأحداث سارة أو محزنة، والتي تأتينا بشكل غير متوقع ولم نخطط لها، تحمل بداخلها الفرح أحياناً، وأحيانًا أخرى تحمل الحزن والكمد فنمر بتحديات وصعوبات تهزنا من الداخل، والمفآجات جزء لا يتجزأ من رحلة الحياة.
أن تربي ابنك وتسقيه بالحب وترعاه بالحنان ثم بعد مرور السنين يودعك في عالم العقوق "مفاجأة"، أن تتزوج فتاة وتلج بخيالها في عالم وردي ثم تصدم بجدار الواقع ولا تجد سوى الإهمال والضرب "مفاجأة" أن ترزق أمرأة بطفل وهي في عمر الخمسين وقد أثبتت التحاليل أنه من المحال ذلك "مفاجأة'، أن يعود أبنك بعد مضي سنين من غيابه وقد ظننت أنه قتل في الحرب "مفاجأة".هكذا هي الحياة مليئة بالمتضادات والثنائيات بداية ونهاية، صحة ومرض، أمل ويأس، حب وكراهية، وحدة واجتماع، قد جعل الله لكل شيء نقيض حتى نعرف قيمة الأشياء ونقدرها.
من هنا نتعلم:أن الحياة متغيرة ولا تستقر على وتيرة واحدة فلابد أن نكون مرنين وننعم بالهدوء وضبط النفس حتى نستطيع التكيف مع تقلبات الحياة ، ونتعلم كذلك أن الحياة هشة وغير مضمونة فلنقدر الأشخاص واللحظات من حولنا فمن يكون معك اليوم لربما لا تجده في الغد، ونتعلم أيضًا أن هناك قوى وظروف خارجة عن أرادتنا ومن هنا نتعلم القبول.
وأخيرًا:
نحن لا نعلم ما نكسب غداً من خير أو شر، ولا ندري أين ستكون أنفاسنا الأخيرة فهذا كله من المفآجات التي لا يعلمها إلا الله.
يقول ربنا جل وعلا في سورة لقمان، الآية٣٤ (وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا ۖ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ).
وكذلك لا نعلم ما تخبئه لنا الأيام من مفاجآت ولكننا خبئنا لها حسن الظن بالله وأن الخير كل الخير فيما يكتبه الله لنا ويختار فلنتعامل مع أقدار الله بحكمة وصبر، ونستقبلها بالرضا والتسليم.