تشخيصٌ غائب

data:post.title

تشخيصٌ غائب


الكاتب: جاسم بن خميس القطيطي 





يبقى التشخيص الطبي علاقة تبعث الارتياح والعافية، وهو اليوم أصبح مشكلة تبحث عن دور تطويري في عقول الكادر الطبي. تُدار الحوارات في ممرات المستشفيات عن أحوال المرضى وطرق علاجهم، وتتوالى بعض الأطروحات عن التشخيص الذي أصبح الشغل الشاغل، ونظام العلاج الذي يُفترض أن يوصل المريض إلى بر الأمان.


قد يسوقك الحوار والخلاف في آنٍ واحد حول موضوعٍ لتطرحه على الواقع الذي تعيشه، تحاول كتابة سطور من ذهب... لكن لا تستطيع، وهناك طقوس غير سعيدة في إتمام الحوار أو حتى الإقناع.


قد يكون المبنى متطورًا كأنه فندق خمس نجوم، لكنه يفشل في الإخراج، وينجح في التصميم. تشخيص الحالات الطبية يُكتب فيه سطر... وتُترك سطور، كما هو حال معظم المستشفيات القائمة، فلا يغرك ذلك السطوع في البنيان، والتشخيص لا يزال يبحث عن نفسه في صناعة مبنية على الثقة، وصناعة القرار من الأخصائي والطبيب،

الذين يتسابقون ضمن الفريق والكادر الذي لا يتوقف ليل نهار عن محاولة الوصول إلى مهارة التشخيص. ولكن تلك المهارة، إن خرجت، لا تُصيب الهدف بدقة.


وأصبح الحوار غير هادف، وغير شفاف، ومن طرفٍ واحد، هم من يستبدّون بالتشخيص الذي كتب حكاية من النهاية.


وأثناء بقائي قرابة الست ليالٍ في ذلك المستشفى، لم أشعر بتحسن في حالتي، ولا حتى قراءة صحيحة لما أعانيه،

بل هناك تلعثم أصبح يفقدني أعصابي. وأظل كثير الحديث... ليس مع من حولي، بل مع نفسي.

أقول: هل وُجد الماهر الذي يقود السفينة إلى برّ؟

هل مهارة التشخيص أداة نجاح متوفرة في هذه المستشفيات؟

وأقولها بصرخة: لا تغرّك تلك الأنامل الذهبية في العمران، فمرات تحتاج لصناعة قرار وخطوة تشخيصية

تنير لك الطريق نحو بصيص الأمل.


الطبيب الحقيقي هو من يحمل معول سباق الزمن نحو الابتكار، نحو دقة التشخيص، والممارسات الصائبة هي الكفيلة بصناعة طبيب نثق به، ويمنحنا حوارًا صادقًا، لا حديثًا طويلًا بلغة استعراضية لا تُنتج شفاء، بل تدوّن شقاء.


حاولت، خلال هذا الأسبوع من بقائي في دوامة ذلك المستشفى، دقّ ناقوس الشفاء لكل من يستحقه، لكنني وجدت روتينًا ساخنًا من أعمال متكررة لا يُكتب لها الفلاح.


قلتُها وسأقولها:

نحتاج دقة في التشخيص، وعملًا طبيًا يُكتب له النقاء، يُخرجنا من ديمومة المرض نحو علاجٍ ناصع البياض. ما يحدث هو دخول وخروج في مطبّات متعددة تفقدك السلامة الصحية على الدوام.


السؤال القديم الجديد:

أين هو التشخيص الطبي "مستقيم الأضلاع"؟ نجد مباني حديثة ومعدات متطورة، لكننا لا نجد طبيبًا ماهرًا يُشخّص.

كلها اجتهادات لم يُكتب لها النجاح، ليزورك القلق أن مستقبل الصحة على كفّ عفريت، وأن مخرجات الكوادر تبقى مكانها، لا تستطيع الابتكار الطبي القويم.


نحتاج إلى جرأةٍ مصحوبةٍ بدقة في التشخيص، ونجد الكثير من التنظير الهامشي يعوق التطوير نحو مرحلة تقدم لا ندري إن كنا سنراها، أم أننا سنبقى في روتين لا يكتب نتائج تُذكر، فمن بين عشرة تشخيصات لا تصيب إلا خمسة.


نحن نريد مجاهرة عميقة تُبرهن بالدليل على امتياز العلاج، لا على تجريب الحالات. أصبحنا نشتمها وتفوح رائحتها.

كل الشفاء واللطف... وإنا لله وإنا إليه راجعون

في حال تلك المستشفيات، والطواقم التي لا تزال تقرأ تلعثمًا مريرًا. نود بإشراقة متطورة في التشخيص... لكنها تبقى طريحة مكانها. 

Abrar Al-Rahbi
الكاتب :