الطلاق الكلاسيكي
الكاتب: جاسم بن خميس القطيطي
لا أعلم، هل أصبح الطلاق مثل المواعيد في النزال الكروي ومباريات الإثارة والتشويق؟
لم تعد هناك حصانة تمنع وقوع الطلاق، إذ بات يحدث لأسباب ساذجة وواقع سقيم، حتى أصبح سهلًا وقوعه.
وأشير هنا إلى أن الزواج لم يعد ميثاقًا شديد القوام والوصال، بل أصبحت العادات والتقاليد تُوضع على الرف من قِبَل هذا الجيل، الذي يعبث بشعارات العفاف والوفاق.
الزواج، تلك الخصلة المتميزة ببناء أسرة، تحمي كل المقدسات، بات يُنهش من كل حدب وصوب. وجاء هذا الزمن، زمن شياطين الإنس والجن، ليكتب لنا أنشودة من التعب المضني، بعدما كان كل شيء جميلًا، فتحول إلى اعتياد حسب الميول، وتلك المشاعر الجياشة سُرقت. تحت وطأة أسباب خيالية في التصديق، تحدث حوادث الطلاق.
زوجة صغيرة في العمر، مغمورة برفاهية الأفكار والهوايات، تبني لها قصورًا من واقع مغشوش، وتقع في المحظور.
نساء هذا الجيل لا تَجوز عليهن التسمية نساء، وهن أقرب إلى مخلوقات لا تمسّ البشرية بشيء. أما الرجال المتزوجون، فهم أطفال؛ فالزواج أصبح فوق طاقتهم. وتلك المسؤولية تحتاج إلماماً ومذاكرة مستفيضة لتفاصيل الحياة المعاصرة، المليئة برياح عاتية. ذلك الرجل المسمى بالزوج، إن كان يافعًا أو مقبلًا على الزواج، عليه أن يبني قاعدة من التحمل للصدمات، وتُسمى هذه المرحلة "تأسيس الرجولة". وأجزم أن أسباب الطلاق في هذه الأيام تعود إلى غياب التوافق الفكري بين الزوجين، ووجود أسرة تقف خلفهما تُساهم في الدمار، بفكر شارد متوَّج بالعتمة.
ومن طقوس تلك الأسر، يُمنح الزوجان ما يُسمّى جدية الزواج، لكنهما لا يستطيعان تحمُّلها.
ما هي أسباب حدوث الطلاق بهذه السرعة الجنونية؟
هل هو بسبب الذكاء الاصطناعي لدى الزوجين؟
أم لأن الحياة الجادة وتحمل المسؤولية تفوق أعمارهم؟
أم أن مواضيع الخلافات السطحية تُغلف بجدار منيع من الأم والأب والإخوة، ليزيدوا عمق المشكلة؟
القضية لها أبعاد كثيرة، أولها عدم جاهزية الزوجين فكرياً وثقافياً لمفهوم الزواج. يجب على الأنثى، الزوجة، أن تُدرك أن الزواج ليس مساحة للدردشة في فضاء التواصل الاجتماعي، بل هو التزام وحقوق وواجبات، لا تُسلم المنديل من الوهلة الأولى!
وأستغرب أنه بعد وقوع مشكلة بين حديثي الزواج، لا يظهر عقلاء يوجهون الطرفين إلى أخذ قسط من الراحة، والجلوس في هدوء تام، بعيدًا عن المحاكم والطلاق. بعض الحلول لمشكلات الزواج الحديث ليست في نبش المواضيع، بل في تركها حتى تزول. والمصيبة أن الطرفين، حين وقوع المشكلة، يعتقد كل منهما أنه على حق، وهنا تكمن العلّة الأزلية. ومثل مواضيع الزواج، تحتاج المشكلات إلى تنازل لاحتوائها. وأعتقد أن الزوج عليه أن يلمّ حسيًا وفكريًا بالخروج من المأزق، لا أن ينساق وراء سماع كل شيء. عليه أن يكون أصم وأبكم في المرحلة التي تستوجب الهدوء.
تكدّس المحاكم بحالات الطلاق، والكل يذهب مقتنعًا أنه على حق، وهما في الحقيقة مخطئان لوصول الأمر إلى المحاكم. تبقى المشكلة في الزوجين؛ صغار العقول، حديثو الولادة في العلاقات الإنسانية.
هذّبوا أبناءكم قبل الزواج.
خذوهم إلى كورنيش السلام، والتسامح، ومعانقة الأخلاق والتواضع، لكي يكون التأسيس قائمًا على الجمال الإنساني، ويُكتب الفلاح لذلك الزواج.
الطلاق أصبح وشمًا وترندًا تزهو به المحاكم. أصبحنا لا نفرح كثيرًا بالزواج، لأنه يأتي بعده الخلاف والشقاق.
نصيحة:
هذا الجيل مكتوب عليه لافتة: "ليس للزواج"، بل لحلقات التواصل الاجتماعي والتسمر خلف السناب شات، وما خفي كان أعظم.
الزواج والطلاق عملة واحدة لشيء اسمه "الوفاق". والوفاق ليس قصة حب وارتياح ونظرة شرعية فقط، بل هو إحساس بالتسامح، والتواضع، والأخلاق.
