يا عيد بأي حالٍ جئت ....

data:post.title

يا عيد بأي حالٍ جئت ....


الكاتب: جاسم بن خميس القطيطي





مدخل.. ( المتنبي )

عيدٌ بِأَيَّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ 

بِما مَضى أَم بِأَمرٍ فيكَ تَجديدُ

 أَمّا الأَحِبَّةُ فَالبَيداءُ دونَهُمُ

 فَلَيتَ دونَكَ بيداً دونَها بيدُ 

لَولا العُلى لَم تَجُب بي ما أَجوبُ بِها 

وَجناءُ حَرفٌ وَلا جَرداءُ قَيدودُ


عندما يمرّ العيد بنسماته الوردية، يتخايل إلى ذهنك البهجة والسرور، وتودّ أن تعانق هذه الأحاسيس،

لكن لا تستطيع، فالعيد له طقوسٌ باتت لك غير مشوّقة، وما هي إلا روتين متكرّر بلا جاذبية.


غير أن أعماقنا تنطق بالشوق لأحبة وخلان فارقونا، ويأتي العيد بطارئ الوحشة والأنين لهم، ونسأل عن لمحات حانية من وجودهم الذي ذهب، ولم يعُد حضورهم في العيد كما كان. تنظر إلى السماء، وتُحدّق في عيون من حولك، فتجد الشوق بلا جواب، وترى على محياهم وجومًا، وأحلامًا لم يعُد لها مكان.


فقد العيد بريقه... وتحاول أن تلملم بقايا الماضي بكل ما فيه، حيث كانت اللحظات فيه مليئة برونق المتعة. تلك الابتسامة التي كنت تجد من يحتضنها، كانت تمنح العيد طعمًا من الدلال، ونقاءً صادقًا يغمر اللحظات. كانت رسمة من الزهور البهية تشرق في كل البيوت، وحضورهم كان بلسمًا وهمسات وزيارات، في بيوت متواضعة، تمنحك حبًا زاكيًا بلا تكلّف أو رياء.


لم تكن هناك تقليعات التصوير، ولا جسور التفاخر والسباق نحو "الحدث"، الذي أفقد العيد نكهته الصريحة. كانت قلوبهم أنقى من أن تلهث خلف لقطة أو منشور. كنا نستجمّ بتقاليد العيد في وجودهم، ونكتب سطورًا من الوفاء بلغة صادقة.


أما اليوم، فقد أصبح صباح العيد مليئًا بالصراعات، وحكايات التصنّع والمبالغة، ونسينا الوجه الحقيقي للعيد...

ونسينا الكرام من الأولين، وذلك الحضور البهيّ الصادق. يؤلمك الحنين، فقد أصبح العيد مناسبة للتوثيق والتصوير، بينما قِيَمه الحقيقية طواها النسيان.


ويشدك الحنين المؤلم، أن رونق العيد وفخامته أصبح مجالًا واسعًا لتوثيق الحدث والتصوير، لكن قيمة الحدث ذهبت أدراج الرياح. من يقدّم الفصل الصريح لهذا الجيل المتكالب،

الذي هو من صنع الحدث وسرق تلك العادات والتقاليد

من الوصول إلى التتويج؟ وما هذا الفضول والسباق غير المحموم في واقع التواصل الاجتماعي من تلك البرامج

عبر السناب وغيره؟ هو صراع الأغبياء، وصل إلى حالات من الكمال في مرحلة العمر، وأصبح التقليد يتفنن في كتابة حروف الخروج عن القاعدة.


لذا أصبح العيد بلا حضور، مجرد لحظات نعيشها دون أن نقبّلها،

ورحلوا أمجاد اللحظات في ذلك الحدث. وبقي هؤلاء يقدمون المشاهد بالأبيض والأسود من أفلام زمان،

بدون وجه حقيقي لقيمة الحدث ومجد العيد... أشفق على رحيل الأحباء، من كان العيد يتزين بحضورهم،

وجاء أشباه أناس لا نبتهج معهم بوصلات العيد، كأنهم يقدمون "كومبارس" في مشهد تمثيلي لا يملكون الإجادة الصريحة في مناسبات العيد، ويخرجون عن النص في السباق،

لكي يقولوا: "راقبوني" و"ترقبوا اللبس"... نعم، هي فرحة وعيد، لكن الحقيقة الناصعة لا تملك توافقًا بين ذلك وتقديم العطاء المتكامل في إشراقة العيد. يُكتب حرف... ويُترك حروف.


هنا أيقنت أن العيد في الماضي، مع وجود تلك الوجوه في الشرف والوفاء، كان العيد يليق بهم، واللقاء بين أحضانهم له وقع خاص.

يا عيد، بأي عيد جئت؟ وأصحابك لا يمثلونك، إنما يمثلون لحظاتهم ومراحل التصوير في أبهى حلة!


لذا، أحنّ إلى ذلك العيد

عندما كنّا نقول عنه: "عيدك سعيد"،

تفاصيل العيد في الوقت الحاضر هي تصنّع وجري وراء "الشو"، وتقليد مصطنع، وبحث عن كل أصناف بعثرة الحوارات، والخلاف فيها...


كل عام وأنتم بخير،

وذلك العيد يعود بذاكرته إلى الماضي... الذي ذهب بكل حُلوه.

Abrar Al-Rahbi
الكاتب :