لا تترك الورقة فارغة
بقلم :بدرية مبارك الدرعي
يقول أحدهم: لا زلت أذكر ذلك اليوم، عندما كنا داخل قاعة الامتحان، والهدوء يسود المكان، وكلٌّ منّا يمسك قلمه وكأنه يستعد لمعركة كانت مادة الرياضيات، وأنا ممن لا تجمعهم بالأرقام علاقة ودّ. بدأ المراقب بتوزيع الأوراق، وشرعت في قراءة الأسئلة: الأول لم أفهمه، الثاني بدا غريبًا، الثالث كأنه مكتوب بلغة غير مفهومة!
بصراحة، شعرت وكأن الدنيا أظلمت في عيني، وذهني أصبح فارغًا، حتى المعلومات التي ذاكرتها تلاشت فجأة.
بدأت أفكر أن أترك الورقة كما هي، بلا إجابة، لكن في تلك اللحظة، تذكرت جملة قالها لي صديقي حسان قبل يومين، كنا نراجع سويًّا، قال وهو يبتسم: (إذا لم تعرف الجواب، “لا تترك الورقة فارغة”، اكتب أي شيء، قد تحصل على درجة علقت كلمته في ذهني.
قلت في نفسي: ولمَ لا؟ أمسكت بالقلم، وبدأت أكتب خطوات رأيت الأستاذ يشرحها: قانون ناقص، مثال مشابه، أي شيء يقارب الفكرة أنهينا الامتحان، وبعد عدة أيام أعادوا إلينا الأوراق، فوجئت بأنني حصلت على درجة أفضل ممّا توقعت!
وكتب لي الأستاذ في أسفل الصفحة: “من الواضح أنك حاولت.. وهذا هو الأهم”.
مرت السنوات وكبرت، وبدأت تواجهني امتحانات من نوع آخر لم تكن أسئلة رياضيات، بل كانت مواقف وقرارات وفرص، ولحظات كان لا بد أن أتحرك فيها وكثيرًا ما شعرت أنني لست مستعدًّا، أو أنني لست واثقًا بما يكفي. لكنني دائمًا كنت أقول لنفسي: “لا تترك الورقة فارغة”.
لا تتوقف فقط لأنك تخشى الخطأ، لا تصمت لأنك غير متأكد، لا تنتظر اللحظة المثالية التي قد لا تأتي أبدًا القصة من حساب: farid_alshahwarzi
لا تترك الورقة فارغة معناها: ألا تتوقف، بل ثابر بالرغم من العراقيل. حياتنا مليئة بالتحديات، ومن لا يحاول لا ينجح. وطن نفسك على الفعل، لا تركن للراحة، وارتقِ بروحك عن مواطن اليأس، وخذ قرارك بعزم، وادفع بنفسك للاستمرار حتى تصل إلى مبتغاك.
المحاولة هي أول خطوة نحو التغيير والنجاح، وهي السلاح الذي يستخدمه الإنسان لمواجهة التحديات وتحقيق الأهداف. لا أحد يولد ناجحًا أو خبيرًا، بل كل نجاح يبدأ بمحاولة، وربما بمحاولات عديدة تسبقها تجارب فاشلة، لكن الفشل لا يكون نهاية الطريق، بل هو بداية للتعلّم والتطور.
من أهم فوائد المحاولة: أنها تساعد الإنسان على تحقيق أهدافه، فلا يمكن الوصول لأي حلم بدون السعي نحوه بخطوات عملية. كما أن المحاولة تعلّمنا من أخطائنا، فكل تجربة نخوضها تترك فينا درسًا يزيد من خبرتنا ونضجنا.
والمحاولة كذلك تبني الثقة بالنفس، فالشخص الذي يجرّب لا يبقى خائفًا من الفشل، بل يصبح أكثر شجاعة واستعدادًا للمغامرة. ومع تكرار المحاولات، تنمو في داخلنا روح الصبر والمثابرة، ونصبح أكثر قدرة على تحمّل الصعوبات وتجاوز العقبات.
حتى من منظورنا الإسلامي، تُعتبر المحاولة والسعي من القيم الأساسية التي يحثّ عليها الدين. فربنا سبحانه وتعالى لا يحاسب الإنسان على النتائج بقدر ما ينظر إلى النية والإخلاص وبذل الجهد.
وقد قال تعالى في سورة النجم:
﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَىٰ﴾ [النجم: ٣٩]
كما أنه مأجور على محاولته حتى لو لم يحقق هدفه، فقد قال ﷺ:
“إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة، فإن استطاع أن لا تقوم حتى يغرسها، فليغرسها” (رواه أحمد).
قارئي العزيز:
كثير من الناس يعيشون حياتهم في منطقة الراحة، مترددين خوفًا من الخطأ، لكن الحقيقة التي نغفل عنها هي أن الخطأ جزء من التعلّم، والتردد هو قيد يمنعنا من التقدم.
النجاح لا يولد من الكمال، ولا من انتظار اللحظة المثالية، فالحياة لا تُمنح لأولئك الذين ينتظرون، بل للذين يغامرون ويتقدمون بخطوة، مهما كانت صغيرة.
ولهذا: “لا تترك الورقة فارغة”، فالمحاولة شهادة على روح لا تستسلم، وإرادة ترفض الانكسار.
تذكّر أن توماس إديسون هو من قال:
“لم أفشل، لقد وجدت ١٠٬٠٠٠ طريقة لا تعمل.”
وجيل براند قال:
“لا تنتظر اللحظة المناسبة، اصنعها بنفسك".