رويحة الجنة

data:post.title

رويحة الجنة 


بقلم : أسماء الغبر


الحمدلله رب العالمين دائمًا وأبدًا، الحمدلله الذي لا يُعبد غيره أحدًا، الحمدلله حمدًا لا يُحصى عددًا، الحمدلله الذي قهر العباد بالموت، وجعل القلوب تفيض رضًا وإيمانًا بالقدر والقضاء، فذِكرى الراحلين لا تُنسى، ولا يمحوها من الذاكرة شيء.


كم من فاقدٍ تتجدد عليه الأحزان حين تأخذه الذكريات، وتلوح به الآلام إلى عالم الأمس القريب، لحظة أن صُقِع بالأخبار بوفاة عزيزٍ غالٍ حبيب؛ تلك اللحظة التي هامت الدنيا به، وتزلزلت الأرض تحت قدميه، وانقلبت حياته رأسًا على عقب، وانشلت أفكاره، وتاهت أحواله، حيث لم يعد يُدرك ما يجري حوله.


في ظني، بل هي سُنّة الحياة، أن كل الناس ذاقوا مرارة الفراق؛ إن لم يكن قريبًا فهو حبيب، وإن لم يكن حبيبًا فهو جار. فمن الناس من يُؤلمك فراقه ألمًا شديدًا، ويكسرك رحيله، وكأن الدنيا ليس فيها أحدٌ سواه. فسبحان الذي ألّف القلوب، وجمع الخواطر، وآنس الأرواح، فصارت النيات مخلصة، والعلاقات خاصة.


في كل يومٍ تُشرق فيه شمس الرابع عشر من يونيو، تستحوذني الذكريات، وتأخذني من ضجيج الكون إلى صمت المراقد وسكون القبور، إلى غصّة ذاك اليوم، وقوة جرعته على قلبي؛ فراق جنتي، وبهجتي، وسعادتي، وموطن سروري، وسكن الأجر العظيم، والفضل الكبير، والسبب الأقرب لرضا الله ودخول الجنة: أمي الحنينة الشفوق، رحمها الله وغفر لها، وجعلها في عليين. إن أجمل ما أذكره وأشتاق إليه منها كلمتها حين تناديني بروحها وابتسامتها ورضاها: "حبيبتي أم مريم"؛ حتى عشقت كُنيتي عشقًا سرمديًا، وبتّ أجد في نفسي ارتياحًا معنويًا لها. نعم، في مثل هذا التاريخ رحلت أمي، بعد رضا بقضاء الله ومقاديره، ورجاءٍ في كرم عفوه، وجزاءٍ في محو الزلات والسيئات، وكفّارة وتزكية لها بإذن الله تعالى ولطفه وعطفه بعباده...


وإن تحدثت وتعددت وتطرقت ووصفت حياتي وزمني مع أمي، فلا يكفيني مداد قلم، ولا دهرٌ من العمر، فقد يُرخي القلم أجفانه، ولن يهبني المداد حق الشكر والثناء لها على ما أعطت، وقدمت، وضحّت، وتحملت. جزاها الله عني وعن إخوتي خير الجزاء، وجنّات عدن، وروحًا وريحانًا، وجمع بينها وبين والدي في أعلى فراديس الجِنان.


نحن نعيش في هذه الحياة الدنيا موقنين، طائعين، وراضين، مؤمنين بقول الله العظيم:

﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ ۝ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ﴾

هي الدنيا، كذا، دارُ فناءٍ لا دار بقاء...

Abrar Al-Rahbi
الكاتب :