اللّابوبو: غواية الغريب في زمنٍ مُنهَك

data:post.title

اللّابوبو: غواية الغريب في زمنٍ مُنهَك


بقلم: نِهـــال الجسـاسـي


لستُ معنيّةً بالسخرية من دُمية، ولا بتمجيد قطعةٍ تُعلّق على الحقائب. لكنّ ما يشدّني، ويجعلني أُطيل الوقوف أمام هذا "الكائن الصغير"، هو ما يُفصح عنه دون أن ينطق: أننا نعيش زمنًا يُفضّل الغرابة على الجمال، والمفاجأة على الفهم، والمبالغة على المعنى.


"اللّابوبو" ليست دُمية، إنها مرآة. وجهها الغريب، أسنانها الصغيرة، ضحكتها الهاربة من النوايا.. كلّها ليست عبثًا، بل اختزالٌ لما يحدث في الذوق المعاصر، وفي الذائقة الجمعية التي باتت تُفاضل بين ما هو مدهش، لا ما هو جميل.


يقول امرؤ القيس:

«وكلُّ غريبٍ للغريبِ نسيبُ»


والظاهر أن الغريب لم يعُد نسيبًا فحسب، بل سيّدًا يُقاس عليه في سوق الذّوق!

في وقتٍ لم تعُد فيه المفاهيم ثابتة، ولا الأذواق واثقة، يصبح للغرابة سُلطة، وللدمية مشروعية. نشتريها، نعلّقها، نلتقط لها الصور. لا لأنها تروق لنا، بل لأنها تُربكنا، تُحدث شرخًا صغيرًا في استقرارنا البصري.








عبارة عميقة صادفتني اليوم وما اهتديتُ لصاحبها، لكنها في ظنّي تُعبر عن ما أرومه:

«أُحب الغريب، لعلّي أُجدّد أحزان قلبي». وربما نُحب لابوبو، لا لأنها تُفرحنا، بل لأنها تُربك حُزننا المُتراكم بطُرفةٍ بصرية.

 

في أحد أشهر كتبه On Ugliness، يكتب أمبرتو إيكو -بتصرف-:

«القبح لا متناهٍ، على عكس الجمال الذي تكرّر حتى ضاق». ويُعلّق في موضعٍ آخر بأن الجمال قد يصبح مملًّا لكثرة معاييره، أما القبح، فـ «تتسع فضاءاته كمن لا بيت له». وهكذا، تُصبح اللابوبو في سياقها لعبة، نعم. لكنها تُخفي تحت فرائها الخفيف شوقًا إلى ما لم نعثر عليه في الجمال التقليدي.

تُصبح اللعبة هنا شعارًا، لا مهدًا للبراءة. ويُصبح الشراء إعلانَ انتماء، لا استهلاكًا بريئًا.


ولعلّ الأكثر مدعاةً للتأمّل، أن اللابوبو لا تُعبّر عن طفولة، بل عن طفولة مكسورة. طفولة نُعيد خلقها، لا لنلعب، بل لنُجمّل هشاشتنا في مشهدٍ ملتصق بنا مثل التعليقة.

 يقول طه حسين: «الجمال لا يستقيم إلا إذا جاوره القُبح»، كأنّ في الكائنات ميثاقًا سرّيًا: أن نرى النور أوضح حين تعبر الظلال، والضدّ يُظهر حُسنه الضدّ. ولعلّ في "اللّابوبو" ما يُذكّرنا بذلك؛ هي ليست جميلة، لكنها تُضيء المسافة بين الرغبة والنفور.

 

ختامًا.. اللّابوبو ليست موضة، بل قصيدة مرمّزة.

كائنٌ صغير، يعكس حاجتنا لأن نبدو فريدين، ولو بشيء لا يُفهَم. أن نتعلّق بما لا يُفسَّر، لأننا أنفسنا لا نُفسَّر!

Abrar Al-Rahbi
الكاتب :