السياسة بين التجهيل والواقع: حين يصبح الوعي عيبًا

data:post.title

 السياسة بين التجهيل والواقع: حين يصبح الوعي عيبًا


الكاتب: جاسم بن خميس القطيطي





في مجتمعاتنا، نشأنا على قاعدة غير مكتوبة: “لا تتحدث في السياسة”.

كان يُقال لنا دائمًا إن السياسة وجع رأس، وإن الخوض فيها خطر، وإنها شأن لا يخصنا. فكان الصمت أسلم، والانشغال بالحياة اليومية أبسط.


لكننا مع مرور الوقت أدركنا أن السياسة ليست بعيدة عنا كما قيل، بل هي في تفاصيل حياتنا: في الخبز الذي نأكله، في أسعار الوقود، في التعليم، في الحروب التي تُخاض باسمنا، وفي الأزمات التي نحصدها دون أن نشارك في صناعتها.


نشأنا في بيئة تُهمّش النقاش السياسي وتُشيطنه. كان كل ما يُقال عن تحالفات الدول، عن القضية الفلسطينية، عن السلاح النووي، يُقدَّم لنا كأنه مادة محرّمة أو معقّدة لا تصلح لعقول "العامة". لكن الحقيقة أن هذه القضايا تمسّنا نحن أولًا. تمس كرامتنا، أمننا، معيشتنا، ومستقبل أولادنا. رأينا كيف أصبحت "إسرائيل" كيانًا معترفًا به دوليًا بوعد استعماري (وعد بلفور)، وكيف تحوّلت فلسطين من قضية حقّ إلى ملف مصالح متشابك، تُتاجر به القوى الكبرى على طاولات المفاوضات.


رأينا الشرق الأوسط يُدار من الخارج، بينما تُفرض علينا سياسات لا نشارك في صناعتها. السلاح النووي، الذي تدّعي بعض الدول امتلاكه لحماية نفسها، أصبح تهديدًا دائمًا لأمننا. أما القوى الكبرى، فقد دخلت علينا من بوابات "السلام" والتحالفات، وفي حقيقتها لا تسعى سوى لتثبيت نفوذها ونهب مقدرات المنطقة.


السياسة ليست فقط خطابات ومؤتمرات، بل أيضًا حصار اقتصادي، غلاء معيشة، قيود على السفر، حرمان من الدواء، وتأثير مباشر على كل فرد. وحين يشتعل فتيل الحرب، تختفي الرفاهية، وتعلو أصوات الساسة لتبرر الفشل بلغة منمقة لا تُطعم جائعًا ولا تُنقذ وطنًا.


السياسة، كما تُمارس اليوم، باتت ميدانًا للخداع والصفقات، حيث تتغير المبادئ بتغيّر المصالح. وما بين إيران، وإسرائيل، وأمريكا، وحلفائهم، تظل منطقتنا رهينة قرارات تُتخذ في أماكن بعيدة، بينما نحن ندفع الثمن.


نحن شعوب طيبة، نحب البساطة، نحلم بالأمان، ونميل إلى السلام. لكن الواقع يُثبت أن الابتعاد عن السياسة لا يحمينا منها، بل إن الجهل بها هو ما يجعلنا ضحاياها الدائمين.


في الختام: كلام السياسة ليس عيبًا، إنما الجهل بها هو العيب الحقيقي.

Abrar Al-Rahbi
الكاتب :