الحياة حتى الآن

data:post.title

 الحياة حتى الآن


بقلم :شهير شمس الدين


في زمن يزداد فيه الضجيج وتقل فيه المعاني، تمرّ بنا كثير من كتب السيرة الذاتية محمّلة بالتفاخر، أو غارقة في سرد تفاصيل لا تترك أثرًا. إلا أن كتاب "الحياة حتى الآن" للسيد إبراهيم الخليل البخاري، يأتي مختلفًا تمامًا: نادرًا في صدقه، بليغًا في صمته، صافيًا في رؤيته، عميقًا في أثره، وإنه لا يقتصر على كونه سيرة ذاتية، بل شهادة فكرية وروحية تحمل في طياتها همّ الأمة، وقلق المستقبل، وتساؤلات الإنسان الباحث عن غايته.


سيرة مفكر حمل مشروع أمة

السيد إبراهيم الخليل البخاري ليس مجرد اسم في سجل المؤلفين أو مصلح اجتماعي عابر، بل هو شخصية ذات أثر عالمي، اختير ضمن قائمة ال٥٠٠ شخصية إسلامية الأكثر تأثيرًا في العالم.  ورجل جمع بين الفكر والحركة، وبين الأصالة الإسلامية والرؤية الحضارية المعاصرة، فكان بحق قائدًا يحمل مشروعًا ثقافيًا كبيرًا. وُلد عام ١٩٦٤ في ولاية كيرالا بجنوب الهند، وتلقى تعليمه الديني والعلمي في مؤسسات مرموقة داخل الولاية وخارجها. فأسّس جامعة "معدن الثقافة الإسلامية" التي أصبحت اليوم من كبرى الصروح التعليمية والثقافية في الهند، ويقصدها اليوم عشرات الآلاف من الطلاب من مختلف أنحاء البلاد. ومنذ خطواته الأولى في دروب العلم والدعوة، سار المؤلف بخطى ثابتة بين صفحات الكتب، ومنابر الخطابة، ومواقع المسؤولية، جامعًا بين الفكر والممارسة، وبين التأصيل والتجديد.  ولم يكن المؤلف مجرد واعظ، بل قائدًا يحمل مشروعًا نهضويًا يسعى من خلاله إلى رفع الوعي، وإحياء الضمير، وبناء الإنسان.كما حمل على عاتقه قضايا التعليم، والتسامح، والحوار بين الأديان، وسافر لأجلها إلى أكثر من ستين دولة، ممثلًا وطنه في أبرز المحافل الفكرية والروحية، من قمة G20  إلى مؤتمرات الأمم المتحدة، ومنتديات التعايش السلمي. لذلك، لم تكن سيرته الذاتية مجرد عرض لتجارب محلية، بل وثيقة روحية وفكرية لتجربة إنسانية فريدة، امتزج فيها التأمل الكوني بالحكمة النابعة من الجذور.


بين الكلمة والتجربة

"الحياة حتى الآن" ليست سردًا تقليديًا للذكريات، بل دروسٌ تُروى بلغة التجربة، وتأملات تنبع من القلب لا من الورق. ويفتح المؤلف قلبه للقارئ، لا ليتفاخر بما صنع، بل ليقول: "ها هي حياتي، بتحدياتها وآلامها وانتصاراتها... تأملها جيدًا، فقد ترى فيها حياتك أنت، وكذلك المؤلف لا يُحاول التجميل أو الادّعاء في هذا الكتاب، بل يكتب ببساطة العارف، وصدق من مرّ بالتجربة، فيسرد ملامح من الطفولة، ولحظات التحدي، وأحلامًا صغيرة كبرت، ودربًا طويلًا لم يكن مفروشًا بالزهور، بل مرصوفًا بالعزم والإيمان. وأما لغته، فهي ليست أدبية مصطنعة، بل روح صادقة تُنقل من قلب إلى قلب، ولا تجد فيه المبالغة ولا التكلُّف، بل تكشف عن الإنسان كما هو، وعن الرسالة كما وُلدت.


رسالة لا تزال تكتب

وهذا الكتاب لا يحكي قصة رجل فحسب، بل يضيء دربًا طويلًا من الفكر والبناء، بدأ بخطوات واثقة من بيت صغير في ملبار، وتحوّل إلى مشروع يُلهم الأجيال. "الحياة حتى الآن" عمل يستحق أن يكون مرجعًا في ثقافة القيادة، ورفيقًا لكل شاب يبحث عن أثر خالد في زمن يطغى فيه العابر.إنها ليست سيرة، بل شهادة حياة، ونداء ضمير، وهمّ أمة.