حالات العزاء
الكاتب: جاسم بن خميس القطيطي
أصبحت حالات العزاء وما يدور فيها من ابتكارات صاخبة وعلامات تعطي انطباعًا مؤسفًا بسبب تكرار الأخطاء المعتادة، التي تُصيب بالحرج والغثيان من ذلك المصاب الذي يتحول إلى تقاليد بائسة.
هل يُعقل أن يحضر من يقدم واجب العزاء من مسافات طويلة ولا يجد ذلك المعني لتأدية السلام عليه؟
والعجيب في الأمر انتشار تلك المرئيات من وضع الخبر على الهاتف، فتجد من البعيد والقريب يحضر لتقديم العزاء.
والأسوأ من ذلك، عندما يقطع ذلك البعيد كل تلك المسافات ويكون صاحب العلاقة المقصود لا تربطه صلة قرابة من الدرجة الأولى، بل مجرد خبر وضعه على هاتفه، مما يسبب الحرج والعناء للآخرين.
أصبحت مجالات العزاء تُصيب بداء الإرهاق والتعب، والسبب في ذلك السباق الفتان نحو الظهور والتباهي، وإضفاء مقدار من الغش الاجتماعي الذي يملكه جيل منزوع عنه مجالات الأصل والأصالة. مجالس العزاء أصبحت تعجُّ بالرياء، والسباق نحو التميز من حيث المظاهر اللافتة.
وتجد البعض لا يمكث في مجلس العزاء رغم أن للعزاء صلة به، والأدهى من ذلك، ذهاب البعض للتعزية في البيوت دون مراعاة أوقات الراحة لأهل الميت، ولا يُعيرون أهمية للجوانب الإنسانية، كضرورة توفير الهدوء والخلوة لأهل المتوفى بعد فقدان عزيز.
تدور حالات العزاء من وضعية إلى أخرى، توضح حالة البؤس وتردي العلاقات، وبقاء زخرف الحياة واتيكيت المظاهر الذي يتحكم في طريقة التفكير ويُحدث عواصف في أسلوب التعامل في مجالس العزاء، مما يبرهن أن السباق نحو التفاخر أصبح هو الأقوى تأثيرًا. هذا الجيل، للأسف، لا حول له ولا قوة، إذ يسعى لكسب القبول والظهور، ويفعل المستحيل ويُقدم تنازلات جوفاء في قصة مليئة بالإثارة والتشويق، لأنه في داخله يحمل فكرًا متشدقًا بالسباق نحو الأناقة والظهور. عناوين الجهل استقرت في عقول هذا الجيل، وأصبح يتنفس السواد على حاله، وكل ما يهمه هو حب الظهور، أما المشاعر الإنسانية الصادقة فهي مجرد تمثيل يؤديه في أيام العزاء – والعياذ بالله. تجد الكثير يهربون من مجالس العزاء رغم علاقتهم بالمتوفى، لأن تواجدهم يُسبب لهم اختناقًا نفسيًا يضع حاجزًا يمنعهم من الظهور في ذلك المشهد.
أقولها لكم: مجالس العزاء أصبحت تفتقر إلى العطاء الصادق، وأغلب من يظهرون فيها يحبون تسليط الأضواء عليهم دون نية حقيقية للمواساة والمكوث. ناهيك عن اللغو والأحاديث التي لا تتناسب مع أجواء العزاء ولا تُراعي مشاعر أهل الميت.
إن حالات العزاء باتت تبحث عن البريق الإنساني فلا تجده، وهذا الجيل يعشق الهوايات والتقليعات حسب مزاجه ومرحلته العمرية، ولا تزال فئة الخمسة والثلاثين عامًا تمارس هذا الدور للظهور دون تقديم العطاء الحقيقي لمجالس العزاء.