عرش البخل
بقلم : بدرية بنت مبارك الدرعية
في أغلب المجتمعات هناك من يتربّع على عرش البخل فيحرم نفسه لذة العيش ومتع الحياة، يعيش في شظف وقساوة، يقبع في منعزل مغلق يشعر بالحرمان حتى ولو كانت ممتلكاته وافرة، فتجده يحرم نفسه من متعة العطاء ويتجنب مساعدة الآخرين خوفًا من فقدان ما يملك.
ومثالًا على ذلك هيتي غرين والتي ولدت في ٢١ نوفمبر/ ١٨٣٤، في نيو بدفورد بولاية ماساتشوستس، اشتهرت وعرفت بالدهاء وتمكنت من الاستثمار في الأسهم والسندات والعقارات، وحولت مبلغ ٦ ملايين دولار إلى ١٠٠ مليون دولار في وقت قياسي، مما جعلها أغنى امرأة في أمريكا. تزوجت من إدوارد الأخضر، وهو تاجر الحرير، عام ١٨٦٧، وأنجبت منه طفلين؛ لكن لم يخلطا أبدًا بين مواردهما المالية وجعلته يوقع على أن يتخلى عن جميع حقوقه في الميراث، ضمانًا لها بأنه لن يستطيع إنفاق أموالها. لم تكن تستخدم المياه الساخنة وكانت ترتدي فستانًا أسودًا لم تغيره إلا عندما بُلي تمامًا. ولم تكن تغسل يديها، وكانت تعيش على تناول فطيرة تكلفتها سِنتان فقط، وفي رواية يقال إنها أمضت نصف الليل تبحث على طابع فقدته بقيمة سِنتين، كما كانت لا تغسل إلا الأماكن المتسخة من ثيابها لتوفير المياه ومبلغ الصابون. وتعرض طفلها نيد لكسر في ساقه عندما كان طفلًا، وحاولت هيتي علاجه في عيادة مجانية للفقراء، ويقول البعض إنها كانت تعالج جروحه بنفسها حتى اضطر الأطباء لبتر ساقه بسبب إصابته بالغرغرينا. عاشت هيتي غرين في مساكن غير مكلفة في هوبوكين، نيو جيرسي، وتوفيت في ٣ يوليو/ ١٩١٦، في سن ال٨١ في مدينة نيويورك، ودخلت موسوعة غينيس للأرقام القياسية العالمية بلقب “أبخل شخصية في العالم”، وقيل إن ثروتها تراوحت بين ١٠٠ و٢٠٠ مليون دولار أي ما يعادل ٤ مليارات دولار في ٢٠١٠. القصة من موقع (aljazeeramubasher-net).
عرّف البخيل على أنه: هو ذلك المهووس بجمع المال واكتنازه وضنَّه وعدم إنفاقه بحجة أنه خائفًا من عاديات المستقبل وهنا يمتنع عن العطاء، والبخل خصلة ذميمة ومكروهة يكرهها الناس، وعلى الأخص العرب. يقول الراغب الأصفهاني: (البُخْلُ: إمساك المقتنيات عما لا يحق حبسها عنه).
إن من أسباب البخل نشأة الشخص في بيئة بخيلة أو أسرة بخيلة كالأب الذي يحرص على أن لا يخرج المال إلا بعد عدة مناشدات وبعسر حيلة وفي النهاية لا يخرج إلا الفتتات منه، فتجد أن هذا السلوك قد نما مع الطفل إذ تلقى رسالة منذ الصغر مفادها (كن بخيلًا).وكذلك كثرة التعرض للخسائر المالية تجعله حريصًا كل الحرص على التمسك به. والبخيل أيضًا يفتقر التعاطف مع الآخرين فلا يرى حاجة لمساعدتهم، فهو يشعر بالراحة عندما يسيطر على موارده إذ يعتبر إنفاق المال نوعًا من فقدان التحكم، ويعتبر جمعه وسيلة لتعزيز مكانته الاجتماعية ونجاحة فيميل للاحتفاظ بالمال لزيادة شعوره بالقوة.
يقول الجاحظ في كتاب البخلاء" البخيل هو الشخص الذي يعيش عيش الفقراء، ويموت موت الأغنياء".
يعتبر البخل من أكثر الصفات المكروة والمنبوذة اجتماعيًا فهي تقلل الثقة والمودة بين الشخص وأحبابه، وقد يشعر ممن هم حوله بالإحباط والتوتر وأحيانًا الابتعاد والانفصال في العلاقات، كما أن البخل يحرم صاحبه مما أعطاه الله فتجده يقتر على نفسه تقتير فلا يسعد بماله بل يكون وبالًا عليه. وقد حذر سبحانه من الشح والبخل يقول جل وعلا: {وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ} [سورة محمد، الآية: ٣٨]. وكذلك يقول الله تَعَالَى: وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى [سورة الليل، الآية ٨- ١١].
و(إذا تردى)في تفسير إبن كثير إذا مات. أما في تفسير الطبري إذا تردّى في جهنم: أي سقط فيها فَهَوى.
وتفكر في قوله تعالى:( يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون ){سورة الدخان الآية ٤٨،٤٩}
عزيزي القارىء:
طبعت النفس على حب المال كما قال تعالى: (وتحبون المال حبا جما) {سورة الفجر الآية ٢٠}. ولكن ينبغي على الإنسان أن لا يطاوعها، وأن يجاهد نفسه حتى ينتزع منها البخل والشح ويعودها على الجود والكرم، ولكن بشرط أن لا يبذر ويكون بين ذلك قوامًا وكما قال ربنا:(ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا){سورة الإسراء الآية ٢٩}.
وأخيرًا
يا صاحب الأموال المكتنزنة حتمًا يوما ما سترحل مخلفًا ورائك كل شيء، تأكد أنك مما تملك لن تحمل معك سوى قطعة الثوب الأبيض الذي يغطى بها جسدك، فعد حساباتك حتى تسعد في الدنيا والآخرة.