سلامٌ على روحِ "فاضل” الطاهرة
بقلم: غُفران صالح الهدابي
فُجعنا و صُدمنا و بكينا على فراقك، فمنذ رحيلك ونحن في حالة من الدهشة نقلب يمينًا ويسارًا رؤوسنا أنا وأخوتي محاولين أن نستوعب ما الذي حدث و كيف حدث ذلك، هل أنتهت قصة ذاك الجواد الحالم حقًا، هل حقًا لن نرَ نور وجههُ من جديد، وضحكته وكلامه وحواراته ومناقشاته التي لطالما كانت ممتعة للغاية جدًا تحيي في أنفسنا إلهامًا وأملًا وسعيًا خلف أحلامنا بكل عزيمة وإصرار، دون تردد أو خوف من شيء.
فقد كان عماهُ ذلكَ المغوارُ المقدام الذي لم يعرف للخوف معنى .نشأ فريدًا ومميزًا بعض الشيء عمن كانوا في عمرهِ، حيث قضى منذ صغرهِ حياتهُ في التعلم، والتعليم، والترحال بين البلدان، والاستطلاع و الإطلاع على كافة العلوم من: أدبٍ، وسياسةٍ، وفقهٍ، واجتماعٍ، وقلبهُ أيضًا فاضَ حبًا لكتاب الله و سنة رسوله الكريم محمد (صلى الله عليه وسلم)، حفظ القرآن الكريم بصوتهِ الشجي حيث كان يرتلهُ بكل سلاسة وحُب أكاد أشبهه بماءٍ عذبٍ يخرج من فمهِ.
يحزنني الاعتراف بأنّ الأيام سريعة جدًا في سرقةِ من نُحب دون أي إنذار مسبق، حيث بدأ لي بالأمس أن هذا الاعتقاد صحيح عندما فقدت من أحب دون وداع. ففي الفقد ألمٌ، ووجعٌ، وحزنٌ، وشوقٌ، وحنينٌ، كُلها مشاعرٌ وأحاسيسٌ تُحدث في المُرء تغيير بإمكانها أن تطفئ المُرء دون أن يعي أو حتى أن لم يتدارك نفسه يجعلها تسيطر على قلبهِ وعقلهِ، فاقدًا للخطوط الدفاعية ألا وهي: الصبر، والإيمان بالله التام والتسليم له وحده، قال تعالى:((فَصَبْرٌ جَمِيلٌ ۖ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ))،فيصبح بعد ذلك أشبهُ بإنسانٍ غريق في عمقِ البحر عاجزًا عن النجاة؛ لأنه لم يتعلم السباحة يومًا ما.
فأنا الآن أبكيكَ بِدموعِ، و أرثيك بِقلمي، و أفتقدك بِكل حواسي الخمسة: أفتقد النّظر إليك بكل فخر واعتزاز، والحديث معك بكل دهشة وإعجاب، والاستماع إلى دندنة صوتِك العذب، وشمّ رائحتك بِدهن عودك الأحب إلى قلبك، ولمسُ يدكَ المبسوطة للخير دائمًا وتقبيل رأسكَ بكلِ احترام وتقدير. مازالت صدمة رحيلك لها أثرًا في نفسي وكأنّي قد ودعتُ جزءًا مني ذهب برفقتك ليبقى ذِكرى بيننا.
بالرغمِ من مرارة الفقد وأثره الكبير على النفس، إلا أن الإنسان المؤمن بالله يرضى بقضاء الله وقدره، ولا يقول إلا ما يرضي الله “إنا لله وإنا إليه راجعون” كُل من في هذهِ الأرض ضيف وعندما يشاء الله سوف يودعها. وجميعنا خُلقنا لسبب وهو عبادة الله المطلقة، وعمارة الأرض وعدم الفساد فيها، نحنُ ملك لله وحده وما دون الله فهو فاني، قال تعالى:((كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ)).
اللهّم اجعلنا من أصحاب الأثر الطيب وذوي الأخلاق الحميدة في الدنيا والآخرة، تاركين من خلفنا أناسًا يذكرون حُسن أخلاقنا وطيبنا بعد الممات.
"اللهم ارحم من كان لنا عمٍ وأبٍ في آنٍ واحدٍ “فاضل” وزدهُ من فضلك وكرمك وأحسن إليه كما أحسن للناس ابتغاءً في مرضاتك".