جلسة سمر

data:post.title

 جلسة سمر



الكاتب: فاضل بن سالمين الهدابي


في الحقيقة لم أكن اعرف بأنني سأكون طلبة لجلسة سمرية في ليلة ذات ظلام دامس ليس بها نور مؤنس لقلوب وأفئدة السامرين ومريح لها ولأصحابها فتلك الجلسة ليست منعقدة في بيت من بيوت سمارها وإنما هي في البر حيث الهواء الطلق وليست عن الشارع البحري ببعيد بل على مكان قريب منه علما بأنه على حواف رصيفي الطريق شماله وجنوبه أعمدة إنارة عامة للكهرباء التي من المفترض أن تنير المكان برمته نظرا لطول قامة كل عمود من تلك الأعمدة وقوة إضائتها وإنارتها للمكان والتي تجعله وكأنه نهار ضحوي مشمس وتلك الإنارات تنير المكان الذي يطيب الجلوس للتسامر المصحوب بالود المليئ بالإيناس المريح للنفس الآدمية مما يجعل سرورها ينبعث بكل ثقة ودون تردد بل سوف يكون في حالته القصوى من الهدوء والتوهج في الفرح والسرور والإسترخاء الذي تسوده الأحاديث المشوبة بالحكايات القصصية المليئة بالذكريات ذات السرد الليلي المنسجم ايضا مع لحظات الليل لحظة بلحظة خصوصا في الليالي المقمرة التي تكون أجوائها قد غمرها بريق قمرها الفضي من جهة ومن جهة أخرى قد غمرتها شعاعات أنوار الكهرباء التي يتمنى المرء ان لاتنتهي أنوار سمرها بسبب بعدها المعنوي الذي يؤثر إيجابا على نفس المستمع أو المتلقي والتي ستبعث فيه فيما بعد روح التمسك بالقيم والأعراف تلك التي تتوافق مع تعاليم الدين الحنيف وثابته، ولكن البارحة لم تكن ليلة مقمرة وفي نفس الوقت إنارة الطريق لم تكن منيرة مضيئة بشكلها الإعتيادي فكان الوقت مظلم لاتكاد ترى فيه بعينيك المجردتان أصابع كفك من شدة حلكة ظلمته بل عندما ترفع رأسك إلى الأعلى لا تكاد ترى النجوم والمجرات والكواكب إلا على شكل نتوءات صغيرة او كأنك ترى السماء بلونها الرمادي وكأنها ثقبت بثقوب صغيرة تظهر وكأنها حبات بيض متناثرة في السماء فعلى منظرها أيضا يحلو السمر وتحلو قهقهاته التى تذهب حاجز الوحشة بسبب الظلام الذي يرغمنا على إثارة الصخب وذلك برفع أصوات التحادث والتخاطب إلى أعلى درجات الإستماع حتى نعيش الإستئناس بمعناه الحقيقي، ومن الملفت للنظر إن سمر الليل المظلم هو متعة لتلك الأحاسيس المرهفة التي قد امتلئت أفئدتها بالوجد وذابت مهجها هياما محملا بعذابات الإشتياق فقد قال أحدهم :- 


قلت لبيك وأنا بالتلبية اناديك 

           أسامر طيفك المنعوت بالحب

كم غيابك صار لي الله يخليك

        نار تحرق مهجتي ولاني بمذنب


نعم هذه هي حالات السمر التي تجعله يضفي الأنس والمرح والفرح والإغتباط في أرواح المتسامرين أحيانا ويجلب الويل واللوعة وهم الإشتياق في أحيانا كثيرة ورغم ذلك أقول :- يكون للتنفيس عن هموم الناس وآلآمهم إلا عن طريق السمر والتسامر وذلك بالفصفضة الكلامية الصادقة التي لاتخرج إلا من قلوب لتحس بها قلوب أخرى حاضرة بكل بديهيتها