أين تكمن السعادة ؟
بقلم : دينا شرف الدين
جمهورية مصر العربية
ليس للسعادة كتالوج خاص و أسباب محددة إن تحققت سعد الإنسان ، لكنها نسبية روحية و ليست مادية ملموسة
فقد عرِّفُ "أرسطو"
السّعادة بأنها (اللذة، -أو على الأقل أنها تكون مرتبطة ارتباطاً وثيقاً باللذة- واللذة بدورها يتمّ تفسيرها باعتبارها غياباً واعياً للألم والإزعاج).
أمّا الإمام" الغزاليّ"
فيقول: (إنّ اللذة والسعادة عند بني آدم هي معرفة الله عز وجل)، ويُتبع ذلك بقوله: (اعلم أنّ سعادة كل شيء ولذته وراحته تكون بمقتضى طبعه، كل شيء خلق له، فلذة العين الصور الحسنة، ولذة الأذن في الأصوات الطيبة، وكذلك سائر الجوارح بهذه الصفة، ولذة القلب خاصة بمعرفة الله سبحانه وتعالى؛ لأنّ القلب مخلوق لها).
كما يَعدُّ الفلاسفة المسلمون أمثال
" إبن رشد و الفارابي "
السّعادة الحقيقية في إشباع لذّة العقل والذّهن بالمعارف والعلوم
لذا:
فأسباب السعادة بشكل عام نسبية تتفاوت من شخص لآخر ، و من نفسٍ لأخرى،
لكنها تشترك في شئ واحد مهم إن تحقق للإنسان يصبح من السعداء بغض النظر عن مستواه المادي أو العلمي أو المهني أو حتي الزوجي والأسري ،
و هو الرضا عن نفسه و التصالح معها فيما يفعل أياً كان ما يفعله ، و الرضا هو السبيل الوحيد لاطمئنان النفس ، و إن اطمأنت النفس فقد تحقق لها وعد الله سبحانه و تعالي برضاه عنها و إرضائها يوم الميعاد.
فحين تطمئن النفس الراضية المتصالحة ستبلغ درجات العلا من السعادة التي لا يبلغها بشر و لو اجتمعت لديه كل مسببات السعادة المادية الملموسة حتي و إن امتلكت كنوز الأرض كافة ، لذا فمنتهي السعادة هي الجنة .
إنّ بذور السّعادة وأساسها يكمنُ في دواخل البشر جميعاً، إلّا أنهم دائمُو البحثِ عنها خارج أرواحهم و أنفسهم، ممّا يستنزف طاقاتهم من عملٍ وعائلةٍ وأموال وطعام، ليستشعروها لفترةٍ صَغيرةٍ وخاطفة، ويسعون بعدها في دوّامة للحصول عليها مرّة أخرى،
فربما تتحقق السعادة لربة منزل بسيطة الطموح و التطلعات لمجرد براعتها في طهي الطعام و تميزها و يا حبذا لو كانت هناك محفزات أخرى من المحيطين كالإشادة بما تقدمه و التشجيع المستمر و خاصة من الزوج و الأبناء ، و بمثل هذه التطلعات البسيطة حال إن تحققت شعرت هذه المرأة أنها أسعد السعداء كما لو كانت تمتلك الدنيا بما فيها .
في حين:
أن هناك من يمتلك كل سبل الرفاهية علي كل المستويات و أسباب السعادة علي كافة الأصعدة العملية و العائلية تلك التي يحسده عليها من يرونها ، و التي في مجملها أسباب ظاهرية مادية قد يحمل مقتنيها مفارقة هامة من مفارقات الحياة و التي تتلخص في كونه غير سعيد !
و لكن :
كيف يشعر بالتعاسة هذا الذي يملك من وجهة نظر الآخرين كافة مسببات السعادة و الرفاهية ؟
نعم :
قد يمتلك شخصاً كل شئ ، دون الرضا و التحقق و السلام النفسي الذي لا ينعم به إلا من تصالح مع نفسه و اكتفي بما لديه و ما تحقق له و إن كان أقل القليل .
كما أن هناك معادلة شديدة الصعوبة قد لا تقو علي تحقيقها أسر كثيرة ، وهي الإستغراق التام لرب و ربة هذه الأسرة بالعمل الشاق بحثاً عن توفير حياة مادية رغدة للأبناء و رغبة في جمع الأموال التي تعد ضمانة من وجهة نظر الأبوين لهؤلاء الأبناء.
و بناءً عليه:
سرعان ما تمر السنوات و ينقضي العمر و تذهب فرص التمتع بحياة أسرية متحابة مترابطة إلي غير رجعة، ويفاجأ هذا الأب أو هذه الأم أنهما قد أضاعا ما هو أثمن بكثير من العمل الغير منقطع و الذي لا يترك متسعاً من الوقت لممارسة الإستمتاع بدفئ العلاقات الأسرية و التي لا تعد المادة و لا حتي الترقي بالعمل عوضاً عنه بأي شكل من الأشكال .
فما الذي يعوض هؤلاء عن أجمل سنوات العمر و تحديداً مرحلة الشباب و اكتمال الطاقة التي تعد فرصة ذهبية للإستمتاع بلذة الحياة ، و التي لا يستغلها الكثيرين ظناً منهم أن السعي و العمل الشاق قد يوفر لهم و لأسرهم أسباب الراحة و السعادة ،ثم يجد المرء بحسابات الزمن التي تسرق الجميع نفسه قد حقق ما يرجو من المال و السلطة بمرحلة عمرية يغلفها الإحساس بالزهد و فقدان الرغبة بالمتعة نظراً لكبر السن و فقدان الطاقة و الحيوية و الشغف .
فليس بالضرورة أن يسعد أصحاب القصور و السيارات الفارهة و الحفلات الصاخبة و المشاهير ، فما أكثر المكتئبين و المنتحرين منهم،
و ليس بالضرورة أيضاً أن يكون من لا يملك أكثر من قوت يومه تعيساً ناقماً كارهاً للحياة ، فما أكثر السعداء منهم الذين رضوا بما لديم و ما قسمه الله لهم فرضي عنهم و أرضاهم و منحهم نفوساً غنية تنعم بسعادة الرضا و الشكر و الإمتنان لما يظنه ذوي النظرة القاصرة أقل القليل.
نهاية :
هل يعيد الإنسان حساباته من قبل أن يأتي يوم لا مفر منه ،
ليعتنق نظرية أخرى بالحياة تعتمد توزيع الجهد و ترتيب الأولويات و تحقيق التوازن بين الإستمتاع بالحياة بجانب العمل لتأمين هذه الحياة في محاولة للتحقق بكليهما و بهذا تكون السعادة في أبهي صورها.