الحج عرفة
الكاتب: جاسم بن خميس القطيطي
تتجلّى عظمة فضل يوم عرفة في الحج، فهو يوم مغفرة الذنوب والعتق من النار، ويُعتبر من أعظم الأيام التي تُغفر فيها الذنوب وتُعتق فيها الرقاب من النار، حيث يباهي الله بأهل عرفات ملائكته، قائلًا: "انظروا إلى عبادي، أتوني شعثًا غبرًا.".
ويُعدّ يوم عرفة ركيزة أساسية في مناسك الحج، ويومًا للمغفرة والرحمة من الله تعالى. ومن فضائله أنه من أفضل أيام السنة، ويمثل ركن الحج الأعظم، حيث يقف الحجاج في عرفة في مشهد مهيب، ويتميّز هذا اليوم بعدد من الفضائل؛ منها إكمال الدين وإتمام النعمة، كما أن صيامه يُكفّر سنتين، ويُروى عن النبي محمد ﷺ أنه قال: "ما من يوم أكثر أن يعتق الله فيه عبيدًا من النار من يوم عرفة."
في أطهر بقاع الأرض، تجتمع الخليقة في موسم الحج تحت مظلة التكبير والتهليل، في موسمٍ إيمانيٍّ مفعم بالنفحات والشعائر التي تبثّ الإلهام، ويستشعر الحجاج فيه غفران الذنوب، تاركين ملذات الحياة في لباس الإحرام، وصورة الشعَث والغُبر التي تعبّر عن التقرّب من الله سبحانه وتعالى.
يوم عرفة هو اليوم التاسع من شهر ذي الحجة، ويُعدّ من أفضل الأيام عند المسلمين، إذ أنه من أيام العشر المباركة. فيه يقف الحجاج على جبل عرفة، حيث يُعتبر الوقوف به من أهم أركان الحج. ويقع جبل عرفة شرق مكة المكرمة على الطريق الرابط بينها وبين الطائف، ويبعد حوالي ٢٢ كم عن مكة، و١٠ كيلومترات عن مشعر منى، و٦ كيلومترات عن مزدلفة، وهو المشعر الوحيد الذي يقع خارج حدود الحرم.
وتبقى مناسك الحج مفعمة بالروحانية ومتوجة بعظمة الشعائر الدينية، ما بين يوم عرفة وتلك الصلة الروحانية العميقة التي تبعث الخشوع والانكسار، وتحثّ على الإكثار من الدعاء وقراءة القرآن، ليكون ذلك اليوم بمثابة الغسل من الذنوب، والتقرّب الصادق إلى الله عزّ وجلّ.
تلك المشاهد المشوّقة والربانية تُعتبر أداة قُرب من ربّ العباد، تحت مظلة مناسك الحج التي تتصف بالنفحات الإيمانية، والتي تُبرز الصلة الإنسانية والأخلاقية في شعيرة لا يُضاهيها شيء على وجه الأرض.
ويعود بي الحنين إلى سبع سنوات مضت، حين أدّيتُ مناسك الحج. ما زالت الصورة ماثلة أمامي في يوم عرفة الماطر، حيث كنا في المخيم نترقّب السماء، في لحظات روحانية مفعمة بالإيمان، تحمل خصوصية وجمالًا لا يُنسى. كانت لحظات تقشعرّ لها الأبدان، وتبقى في القلب سعادة تُحتضن فيها التوبة من الذنوب. فهنيئًا للحجاج في كافة بقاع الأرض بالوقوف في عرفة، في مشهد مهيب يمنحك التأمل في رحمة الله، والدعاء الصادق لتحقيق ما تصبو إليه.
كانت ليلة المبيت في مزدلفة، في العراء، صورة حقيقية للحياة من حيث المولد والوفاة، تتجلّى فيها العبرة في أبهى حُلّة.
لتبقى ذكرى خالدة في الذاكرة: "الحج عرفة"، شعيرة ترتبط بإحساسٍ صادق وطُهر المكان، تُكتب بها بداية خالصة لشعائر الحج، ويكون يوم عرفة بوسامته، وتكبيراته، وتهليله، هو الانطلاقة الروحانية الحقيقية لهذا الركن العظيم.