كل ثلاثـــاء

data:post.title

 كل ثلاثـــاء


الكاتب: أحمد بن علي القطيطي






مسافات محتضرة

كان فجر الجمعة هادئًا حد السكون، حتى الهواء بدا وكأنه متوقف عن الحركة. استيقظت لصلاة الفجر، فتحت الباب كعادتي للخروج إلى المسجد، وتوقعت أن أجد موزو، تلك القطة التي اعتادت انتظاري كل صباح أمام الباب. لكن هذا اليوم كان مختلفًا—لم تكن هناك.  


مرت اللحظات بصمت، وذهبت للصلاة وقلب صغير بداخلي ينبض قلقًا. عدت ولم أجدها، وكأن المكان فقد شيئًا مألوفًا، كما لو أن روتيني الصباحي فقد جزءًا من روحه. في التاسعة صباحًا، لم أستطع مقاومة فضولي وسألت عنها رحيل، العاملة في المنزل. ابتسمت وقالت لي:  

"لقد ولدت، وهي الآن في مخبأها المعتاد." بسرعة، أخذت خطواتي نحو زاويتها المألوفة، حيث لطالما وجدت فيها الأمان عندما كانت تبحث عن الدفء والهدوء. وعندما رأيتها، كانت هناك دموع الفرح في عينيها، وكأنها كانت تنتظر مجيئي، كأنها كانت تتوقع زيارتي بعد هذه الرحلة الشاقة. قدمت لها الحليب، وتنفست بعمق وأنا أراقبها تستعيد طاقتها. لكنها لم تبقَ مكانها؛ تحاملت على جسدها الواهن وتبعتني، تتمسح برجلي كما لو أنها تهمس لي بامتنان صامت: "شكرًا لأنك أتيت." 


موزو، تلك القطة التي لطالما امتلكت ذكاءً يتجاوز حدود المألوف. كانت تشتكي لي عندما تهملها رحيل، وتبحث عني عندما تجوع، ولم يكن يومًا مجرد حيوان أليف، بل روحًا امتزجت بحياتي، ونمت معي منذ طفولتي. كم من مرة كنت أواسيها في لحظات ضعفها، وكم من مرة كانت تواسيني بصمتها حين كنت أحتاج ذلك!  


 أيام مليئة بالتحولات 

مرت الأيام، وكانت موزو تستعيد عافيتها شيئًا فشيئًا. كنت أقضي الوقت بجانبها، أراقب صغارها، تلك الكائنات الصغيرة التي بدت نسخة مصغرة منها، تحمل بعضًا من لونها، وبعضًا من حركاتها. كانت الأمومة قد أضفت عليها قوة هادئة، رغم الإعياء الذي ينهش جسدها.  


لكن في أحد الأيام، لاحظت أنها لم تكن كما كانت. لم تكن تتحرك كثيرًا، وكانت نظراتها أكثر عمقًا، كأنها تخبرني بشيء لا أستطيع فهمه بعد. في المساء، عندما كنت في الغرفة أقلب بعض الأوراق، شعرت بوجودها خلفي. التفتُ، فوجدتها تنظر إليّ بصمت. كانت عيونها مختلفة، كان فيها شيء من الحنين، شيء من الوعد الذي لم أفهمه بعد.  


مرحلة جديدة في علاقتنا 

رغم المخاوف التي راودتني، لم يكن الفراق جزءًا من قصتنا، بل تحولنا معًا إلى مرحلة جديدة. موزو الآن ليست فقط القطة التي تربت بجانبي منذ الطفولة، بل أصبحت أمًا تقود صغارها في عالمهم الجديد. كنت أراقب كيف تعلمهم تفاصيل الحياة، كيف تراقبهم حين يخطون خطواتهم الأولى خارج المخبأ، وكيف تلامسهم بحنان كأنها تخبرهم بأنها ستكون دائمًا هناك من أجلهم. ومع الوقت، تغيرت علاقتنا أيضًا. لم تعد موزو تلك القطة التي تأتي إلي لتطلب الطعام فقط، بل أصبحت أكثر قربًا، تبحث عني في لحظات الراحة، تشاركني وحدتي، وكأنها تعلم أن وجودها بجانبي يمنحني طاقة مختلفة.  


مفاجأة غير متوقعة

في صباح أحد الأيام، عندما كنت أتناول قهوتي في الصالة، شعرت بشيء يتسلل إلى جانبي. لم يكن موزو وحدها هذه المرة، بل أحد صغارها، يتبعها بحذر بينما تنظر إلي وكأنها تقدم لي جزءًا جديدًا من حياتها. كان هذا الصغير يشبهها بشكل مذهل، بحركاته ونظرته وحتى في طريقته بالتفاعل معي.  


أدركت حينها أن القصة لن تنتهي هنا.  

موزو لم تكن مجرد قطة في حياتي، بل كانت رفيقة رحلة، وحتى حين تغيرت الظروف، بقيت دائمًا قريبة. كان هذا الصغير امتدادًا لها، وكأنها تخبرني بأن علاقتنا ستستمر، ليس فقط معها، ولكن مع جيل جديد من الحب والمودة التي زرعتها في حياتي.  


وهكذا، أواصل العيش مع موزو، ومع هذه العائلة الجديدة التي أصبحت جزءًا مني. ربما تغيرت الأدوار، وربما أصبحنا أكثر ارتباطًا من أي وقت مضى، ولكن الشيء الوحيد المؤكد هو أن هذه القصة لن تنتهي، بل ستستمر، بشكل جديد كل يوم.

Abrar Al-Rahbi
الكاتب :