مقعد ثالث
بقلم : أمين بن سعيدة
كثيرًا ما كانت تصل إلى مسامعي قصة أبي هذه، حيث كان يرويها لنا مرارًا وتكرارًا
"في منتصف الليل، والساعة تشير إلى الساعات الأولى، كنت أنا وأمك تحت سطوة الأرق، مستيقظين، وقد طرح النوم عن أعيننا، أخذتها إلى كاليكوت، واستقللنا آخر باص متجه إلى ويناد، وهناك ننام داخل الباص.
كان الباص يسير على الطريق المغطاة بغطاء هادئ من الضباب، والصمت يسود إلا من أصوات حركة العجلات على الأرض.
كلما مالت برأسها عليّ، كنت أغفو، ولا أستيقظ إلا ونحن قد وصلنا إلى ويناد." قال ذلك وهو يضحك، ثم تابع بعينين تدمعان "في رحلة العودة، كانت فرصتها لتنام، إذ تسترخي للنوم فورًا، بينما أبقى مستيقظًا."
تتغير ملامح وجهه إلى ابتسامة تعكس دهشة الحياة وهو يواصل ويسرد
"الرحلة كانت مليئة بالذكريات، كل حين يداعب نسيم عليل شعر أمك برفق، وكأن نفسي النائم كان يطمئن على كتفها. وأحيانًا كان المطر يتساقط، موقظًا إيانا من نومنا العميق."
منذ أن توفيت أمي، لم يعد أبي يكثر من التواجد في البيت، ذات يوم، بعد عودتي من العمل، رأيت أبي يستقل الباص المتجه إلى ويناد، دون تردد، لحقت به، وركبت في المقعد الذي يليه حيث يمكنه رؤيتي.
بينما يسير الباص، رأيت أبي نائمًا، رأسه متكئ على النافذة. ومع طلوع الصباح، عدنا إلى كاليكوت، ولكنني أدركت أن أبي لم ينم طوال الرحلة، بل كان يسير نحو البيت كما هو.
رقدت على سريري، وأفكاري تلاعبت في ذهني كالأمواج المتلاطمة على شاطئ صخري. لعل أمي كانت ترافقه في تلك الرحلة، أو ربما كنت غافلاً، ولم أرَ أبي ينام على كتفها، ربما لهذا السبب، لم يتمكن أبي من النوم في رحلة العودة، فقد كانت تلك فرصتها.
نهضت وذهبت إلى غرفة أبي، أبحث عن التذكرة التي قطعها للباص. وبين أكوام من الأوراق والفواتير، وجدتها أخيرًا... كانت التذكرة مطوية بعناية. ما أثار دهشتي هو أن التذكرة كانت صادرة لثلاثة أشخاص."