من الهندسة إلى هندسة المشاعر

data:post.title

 من الهندسة إلى هندسة المشاعر

 رحلة نجاح عذاري الحتروشية



- "العطاء لا يُقاس بكمّ الوقت، بل بجودته وصدقه"



كتابة: رهام بنت أحمد البكرية


في عالمٍ يركض خلف الإنجازات المادية والألقاب والمناصب، هناك من يختار أن تكون بصمته في القلوب، لا مجرّد على الورق. عذاري بنت صالح بن مبارك الحتروشية، مهندسة، ومتطوعة، ومدربة في الذكاء العاطفي، نسجت من شغفها بالعطاء والتطوير الذاتي قصة تستحق أن تُروى، من المقاعد الدراسية في الجامعة الوطنية -كلية كالدونيان الهندسية سابقًا - إلى منصات التدريب والعمل المجتمعي، خاضت عذاري رحلة استثنائية عنوانها "التأثير".

صرّحت عذاري بداية حديثها أن "الاسم ليس مجرد تعريف، بل هو هوية ورسالة"، موضحة أن حرصها الدائم على استخدام اسمها الكامل في كل إنجاز نابع من إيمانها بأن الاسم يحمل جوهر شخصيتها ورسالتها التي تتجسد في الشغف والعطاء والتميّز.


وأوضحت الحتروشية أن شغفها بالعمل الإنساني لم يكن وليد الصدفة، بل بدأ منذ أيام دراستها الجامعية، حيث التحقت بعالم التطوع في سن التاسعة عشرة، ومنذ ذلك الحين أصبح العطاء بالنسبة لها أسلوب حياة يمنحها شعورًا بالرضا والسعادة والانتماء.


ورغم أن تخصصها الأكاديمي هو الهندسة، إلا أن تجاربها الحياتية ومواجهتها لتحديات الواقع قادتها لاكتشاف شغف جديد في مجال الذكاء العاطفي. فتقول: "وجدت في الذكاء العاطفي بوابة لفهم الذات والآخرين، وأدركت أنه لا يقل أهمية عن أي علم آخر، بل هو أساس لبناء علاقات متزنة واتخاذ قرارات أكثر وعيًا".


كما عبّرت عذاري عن اعتزازها بالمبادرات التي شاركت فيها، لكنها توقفت بتأثر عند مبادرة "دعم الطالب الجامعي" التي أطلقتها مؤسسة سراج الوقفية، لكونها الأقرب إلى قلبها. وأشارت إلى أن ارتباطها بهذه المبادرة لم يكن مصادفة، بل نابع من تجربة شخصية مرت بها كطالبة جامعية، حين شعرت بثقل المصاريف الدراسية وصعوبة التوفيق بين الطموح والظروف. لذلك، رأت في هذه المبادرة فرصة حقيقية لتكون صوتًا ودعمًا لمن كانوا يومًا مكانها وذاقوا المعاناة ذاتها.

ومن ثم تحدثت عن أبرز التحديات حيث أن التوازن بين الدراسة والعمل التطوعي كان من أبرز التحديات بالنسبة لها. أوضحت أنها كثيرًا ما وجدت نفسها ممزقة بين الرغبة في العطاء وضرورة النجاح الأكاديمي، لكن التجربة علمتها أن العطاء لا يُقاس بالوقت، بل بجودته وصدقه. وأضافت أنها بدأت بتنظيم وقتها بشكل أكثر وعيًا، مما مكّنها من الاستمرار دون أن تتنازل عن أحد الجانبين.


كما أشارت إلى تحدٍ اجتماعي آخر واجهته، وهو نظرة البعض إلى العمل التطوعي كترف أو مضيعة للوقت. لكنها واجهت هذا التحدي بصمتها وعملها، مؤكدة أن "النتائج كانت دائمًا هي البرهان".


وعن طموحها المستقبلي، صرّحت عذاري قائلةً: "لا أضع حدودًا لطموحي، وكل خطوة تحدث فرقًا إيجابيًا في حياة الآخرين أعتبرها نجاحًا". وأكدت سعيها المستمر لأن تصبح مدربة متخصصة في الذكاء العاطفي، تدمج بين خلفيتها في الهندسة وشغفها في الجانب الإنساني، لإحداث التغيير في الأفراد والمجتمع.


وختمت الحتروشية حديثها برسالة ملهمة: "ازرع ذاتك أولًا، ليُثمر فيك العطاء". فالنجاح الحقيقي في نظرها يبدأ من الداخل، من إيمان الإنسان بذاته، واستمراره في التعلم والنمو، ثم ينعكس هذا كله في قدرته على إضاءة دروب الآخرين.


بهذا الإنجاز المتّقد بالعزم ولإيمان، تؤكد عذاري الحتروشية أن القوة لا تكمن فقط في التخصصات الجامدة، بل في تلك الأرواح التي تختار أن تمنح الحياة معنى أعمق، حيث تلتقي الهندسة بالعاطفة، وتصنع من التجربة قصة تستحق أن تُروى.