كل ثلاثاء
مرح الطفولة: رحلة عبر ذكريات البراءة والجمال
بقلم: أحمد بن علي القطيطي
الطفولة هي تلك المرحلة السحرية التي تمنحنا القوة لنحلم وتعلمنا الصبر والرضا بما نملك. وهي أول صفحة من كتاب حياتنا، حيث تختزن ذكريات الحنان والمشاركة والبراءة.
طفولتي: حكاية رضا وصبر
كنت طفلاً قنوعًا وصبورًا، كريمًا في عطائه، يشارك أهله في كل ما يمتلك من وقت ومحبة، تربى على القيم التي غرست فيه من العائلة، حيث كان جزءًا لا يتجزأ من تفاصيل الحياة اليومية، يشعر بسعادة في العطاء أكثر من الأخذ. كانت أحلامه كبيرة وعميقة، إذ كان يرنو لأن يصبح طبيبًا، يساهم في علاج الناس ويساعدهم، لكن الظروف لم تكن في صفه.
الأحلام التي واجهتها العقبات
كبرت قبل أن تكتمل أحلامه، وأصبح يعمل مديرًا في قطاع أمني. لم تكن رحلته سهلة، فقد حرمه الزمن والظروف من تحقيق أمنيات كثيرة وطموحات كان يتمناها. لكن قوة شخصيته وصبره قادته لتحقيق إنجازات أخرى، رغم أنه لم يكمل دراسته الجامعية. هذا الإصرار والنجاح وسط التحديات يظهر قوة الإرادة التي يتمتع بها.
قيمة الإصرار أمام التحديات
إن قصتي تلقي الضوء على دور الإصرار والمثابرة في تحقيق النجاح، حتى عندما يبدو أن الطريق غير ممهد. أحيانًا، الحياة تعطينا دروسًا تعلمنا كيف نستثمر ما لدينا، وكيف نحول الأحلام التي لم تتحقق إلى إنجازات تستحق الفخر. ومثلما يظل المرح الطفولي حاضرًا في وجداننا، تظل قوة الأحلام دافعًا نحو الأفضل مهما تغيرت الظروف.
ٱخر لحظة
الحياة سلسلة من اللحظات، بعضها يُبهرنا بجماله، وبعضها يمضي بصمت دون أن نلاحظ، لكن هناك دائمًا تلك "آخر لحظة" التي تحمل في طياتها نهاية وبداية في آنٍ واحد. الشمس عندما تبرز من بين الأمواج تكون في آخر لحظاتها مع الفجر، حيث تُعلن عن يوم جديد وسط أمواج من الجمال والبهاء. الضحى يأتي بعدها، يلملم شتات الصباح وينشر النور برفق. ولكن حتى ذلك، يُحاط بسكون خاص، وكأن الطبيعة تتنفس ببطء في انتظار الظهيرة.
ثم تأتي الظهيرة كأنها تسخّن لحظاتها الأخيرة، تحول حرارة الشمس كل شيء إلى نشاط متأجج، ومن هنا يبدأ التحول. العصر بجماله وانتعاشه ينشر الأمل مرة أخرى، حيث تميل الشمس في سماء القرية الصغيرة النشّال، تغازل خوص النخيل، وتنساب المياه كالزئبق في حقولها الخصبة. هنا، تحت ظلال النخيل وصوت النسيم، تدرك أن هذه اللحظة هي تحية وداع من الشمس قبل أن تختبئ خلف الجبال البعيدة.
وعندما يأتي الليل، يختلف كل شيء. الأسود يسود، لكنه يحمل معه نوعًا من الراحة والهدوء، حيث تبدأ الحكايات التي لا يجرؤ النهار على كشفها. الليل حارسٌ أمين على الأسرار، يمنح لكل قلبٍ مساحة ليحلم، يحب، يتأمل، أو حتى يندم. في بيت صغير في القرية، عاشق يخط رسائله تحت ضوء القمر، كأنه ينسج من الليل عباءة من الحنين ليغلف بها قلبه. وفي ركن آخر، تجلس جدة تحت نور فانوس قديم، تحكي لأحفادها عن الزمن الذي كانت فيه القرية أشبه بجنة صغيرة، مليئة بالقصص والنقاء.
ولكن، الليل ليس مجرد حلم، بل هو أيضًا مكان للهموم والأسرار. هناك من يهرب إلى ظلامه بحثًا عن ملاذ من انكشاف النهار. إنه صديق للباحثين عن السكون، ولكن أيضًا مؤنس لأولئك الذين يخشون وحدتهم. النجوم التي تملأ السماء تبدو وكأنها شاهد على أحلام الناس وآمالهم. والقمر، في وسط السماء، يبدو كأنه يستمع لكل همسة، لكل دمعة، ولكل ابتسامة تسحبها ذكريات اليوم الماضي.
وعندما تبدأ ساعات الليل الأخيرة، يطل القمر في ذروة جماله، ينشر نوره الفضيّ على الأرض، وكأنه يُعطي آخر لحظة من الليل لمسة من السحر. هنا، تتناثر الأمنيات بين العشاق، بين العائلات، بين أولئك الذين يسهرون تحت السماء بحثًا عن إجابات. الليل، رغم صمته، يعج بالحياة. إنه ينسج خيوط الحكايات التي ستعيش في قلوب الناس طويلاً بعد أن يُسدل الستار.
ومع اقتراب الفجر مرة أخرى، تعود الحياة إلى حيث بدأت، في آخر لحظة من الليل، يتحول الظلام تدريجيًا إلى نور، ويتجدد كل شيء، ومع كل إشراقة شمس، تبدأ قصة جديدة، ولكن دائمًا تكون اللحظة الأخيرة، تلك "آخر لحظة"، هي الأجمل لأنها تحمل عبق النهاية وبذور البداية.
هكذا تمضي الحياة في دائرة لا نهاية لها من اللحظات، ولكل منها قصته، ولكن اللحظة الأخيرة دائمًا ما تكون لها وقع خاص، إنها ليست فقط وداعًا، بل وعدٌ بأن ما سيأتي قد يحمل جمالًا أكبر وقصة أكثر عمقًا. الليل والنهار، الفجر والغروب، كلها تمضي في رحلة بلا توقف، تاركة لنا أن نعيش ونقدّر كل "آخر لحظة".