كل ثلاثاء

data:post.title

 كل ثلاثاء 

                     مباهج العيد


الكاتب: أحمد بن علي القطيطي 






جاء العيد بثوبه الجديد، يرسم الفرحة في قلوب المسلمين في شتى مشارق الأرض ومغاربها. سلطنة عُمان تحتفل بالعيد السعيد وسط مباهج السرور والبهجة، حيث تحتفل جميع ولايات السلطنة كلٌ حسب العادات والتقاليد التي تربّت عليها.


في اليوم الأول، يتوجه الرجال إلى المصليات لأداء صلاة العيد، حيث تصدح المساجد بالتكبيرات التي تُدخل البهجة والسكينة إلى النفوس. وبعد أداء الصلاة، يجتمع الناس في المصلى للتصافح والتبادل بين الجيران والأقارب، ويزداد التواصل بين أفراد المجتمع، معبرين عن فرحتهم بهذا اليوم المبارك. بعد العودة من المصلى، تبدأ العائلات بتحضير وجبات العيد التقليدية التي تحمل عبق التراث. ومن الأطباق الشهيرة في السلطنة خلال العيد طبق "العوال" أو "العرسية"، الذي يتكوّن من الأرز واللحم ويُعدُّ طبقًا أساسيًا على مائدة العيد. كما تجهّز النساء الحلوى العمانية التي تُقدَّم مع القهوة العربية، والتي تُعتبر رمزًا للضيافة العمانية الأصيلة.


لا تقتصر الاحتفالات على الوجبات فقط، بل تمتد لتشمل الزيارات العائلية والتواصل مع الأرحام. يُحرص على زيارة كبار السن في العائلة للاستماع إلى قصصهم وحكاياتهم التي تحمل عبرًا من الماضي وتجسّد روح العيد. ويجتمع الأطفال حولهم للاستمتاع بتلك الحكايات والقصص، بينما يرتدون ملابس العيد الزاهية التي تزيد من بهجة اليوم.


العيد ليس مجرد مناسبة دينية، بل هو فرصة لتعزيز القيم الإنسانية والاجتماعية. ففي هذا اليوم، يتذكر المسلمون واجبهم تجاه الفقراء والمحتاجين، ويتم توزيع زكاة الفطر التي تسبق العيد بساعات قليلة، لتُدخل الفرحة إلى قلوب الأسر المتعففة وتخفف من أعبائهم. ويحرص الناس أيضًا على دعوة الأيتام والمحتاجين لمشاركتهم أجواء الاحتفال والبهجة، مما يعكس روح التضامن والإخاء في المجتمع العماني. تختلف مظاهر الاحتفال بالعيد من ولاية إلى أخرى، لكن يجمعها حب العطاء والاحتفاء بالفرحة. ففي بعض الولايات، يتم تنظيم المسابقات والألعاب الشعبية التي تجمع الكبار والصغار على حد سواء. بينما في ولايات أخرى، تُقام الرقصات والأهازيج التقليدية مثل "العيالة" و"الرزحة" التي تعبّر عن الفرح وترسّخ التراث الشعبي. أما الأطفال، فإنهم يحتلون النصيب الأكبر من فرحة العيد، فهم يتنقلون بين منازل الجيران للحصول على الحلويات والنقود التي يتم توزيعها عليهم بسخاء. وتُعدُّ هذه العادة فرصة للأطفال لتعلّم قيم الكرم والتواصل مع المجتمع.


في المساء، تبدأ الزيارات الاجتماعية بين الجيران والأصدقاء، حيث يتجمعون في المجالس لتبادل الأحاديث وتناول القهوة والحلوى. وتنتهي الليلة بتقديم الدعوات القلبية للأهل والأصدقاء بأن يكون العيد مليئًا بالخير والبركة.


العيد هو مناسبة توحّد القلوب وتنثر الفرح في النفوس. إنه يومٌ تتجدّد فيه الأمل والسعادة، ويُحيي روح التعاون والمحبة في المجتمعات. ومن خلال الاحتفال به، يعبّر العمانيون عن ارتباطهم الوثيق بعاداتهم وتقاليدهم التي تمثل جزءًا أصيلًا من هويتهم وثقافتهم.


العيد وتعزيز القيم الإنسانية

العيد ليس مجرد مناسبة دينية واجتماعية بل هو وقت يعيد فيه الناس استكشاف القيم الأساسية للحياة الإنسانية. إنه يوم تتجدد فيه قيم العطاء، المحبة، والتسامح. من خلال تبادل الهدايا، تسليم زكاة الفطر، أو حتى عبر الكلمات الطيبة، يعبر المسلمون عن روح التآخي والإحسان. في العيد، تتجلى أجمل معاني التسامح، حيث يغفر الناس لبعضهم أخطاء الماضي، ويفتحون صفحات جديدة مليئة بالمودة. كما يشكّل العيد فرصة للتواصل والتراحم، حيث تتبادل العائلات الزيارات ويجتمع الأحبة من أماكن بعيدة لتقوية أواصر العلاقات. بالإضافة إلى ذلك، يعتبر العيد فرصة للتعبير عن الفرح بطرق متعددة ومبتكرة؛ فالبعض يزيّن المنازل بألوان الزينة، والبعض الآخر يقيم أنشطة مجتمعية مثل المسابقات الخيرية أو حفلات الأطفال. كل هذه الأنشطة تساهم في تعزيز الشعور بالانتماء للمجتمع. وبالنسبة للشباب، يمثل العيد فرصة لتقديم الجديد والإبداع في طرق الاحتفال، سواء من خلال الأزياء التقليدية أو ابتكار فعاليات تجمع بين التراث والحداثة، مما يعكس ديناميكية هذا الجيل وحفاظه على أصالة العيد.


العيد في غزة  

العيد في غزة يحمل معانٍ خاصة تتجاوز أجواء الفرح المعتادة؛ فهو يوم تختلط فيه الفرحة بالتحديات اليومية التي يعيشها أهالي القطاع. برغم الظروف الصعبة، يحرص أهل غزة على الاحتفال بالعيد بطريقتهم الخاصة، مستلهمين القوة والإصرار للحفاظ على تقاليدهم وأجواء البهجة. مع بداية يوم العيد، يتوجه الناس إلى المصليات والمساجد لأداء صلاة العيد وسط تكبيرات تملأ الأجواء بالأمل والروحانية. بعد الصلاة، تبدأ العائلات بتبادل التهاني وزيارة الأقارب والجيران، حيث تجمع الأجواء بين البهجة والتكاتف الاجتماعي الذي يعبر عن روح العيد.

الأطفال في غزة يضيفون إلى فرحة العيد بطابعهم المميز. يرتدون ملابس جديدة رغم بساطتها، وينطلقون في الشوارع وهم يغنون ويلعبون. يتم توزيع الحلويات والهدايا عليهم لإدخال السرور إلى قلوبهم، مما يعكس روح الكرم رغم شح الموارد.العيد في غزة أيضًا فرصة للتأكيد على قيم التكافل، حيث يتم توزيع زكاة الفطر والصدقات للفقراء والمحتاجين. تسهم هذه المبادرات في نشر روح التعاون والمساعدة بين أفراد المجتمع، وتجسد القيم الإسلامية والإنسانية في أبهى صورها. برغم التحديات، يظل العيد رمزًا للأمل، حيث تجد العائلات طرقًا مبتكرة للاحتفال، مثل تحضير المأكولات التقليدية البسيطة وتنظيم تجمعات صغيرة تملؤها الأحاديث والضحكات. تتحول هذه اللحظات إلى ذكريات دافئة تحمل الأمل في غدٍ أفضل.


العيد في غزة هو درس في القوة والإرادة، حيث يثبت أهالي القطاع أن الفرح يمكن أن ينبثق حتى في أصعب الظروف، وأن الإنسانية قادرة على صنع السعادة رغم كل المعوقات.


اللهم يا رحيم ويا رحمن، نسألك أن ترحم أهل غزة برحمتك الواسعة. اللهم كن معهم في كل وقت وحين، واغمرهم بلطفك وكرمك. اللهم احفظهم من كل سوء، وفرّج كربهم، وأزل همهم، وبدّل خوفهم أمنًا وفرحًا. اللهم ارزقهم الصبر والقوة في مواجهة التحديات، واجعل لهم من كل ضيق مخرجًا، ومن كل بلاءٍ عافية. اللهم اجعل بيوتهم عامرة بالأمان، وقلوبهم مليئة بالسلام. يا الله، أنت القادر على كل شيء، فنسألك أن تُعجِّل لهم بالفرج، وأن تبارك في أرزاقهم، وأن تُقرّ أعينهم بنصر قريب. اللهم ألّف بين قلوبهم، واجعل لهم نصيبًا من رحمتك وبركاتك.

آمين يا رب العالمين.

Abrar Al-Rahbi
الكاتب :