"وسائل الإعلام" "وسائل التواصل "البقاء للأقوي "

data:post.title

 "وسائل الإعلام"   "وسائل التواصل

                "البقاء للأقوي "


بقلم  : 

دينا شريف - مصر


  " ده مشهور أوي علي السوشيال ميديا " "دي نجمة من نجمات التيك توك "  "ده ولا دي ملوك التريند "

جمل كثيرة من هذا القبيل تتردد بالسنوات القليلة الماضية حتى بلغت ذروتها بالعاميين الماضيين ، بعد أن بزغ نجم مشاهير السوشيال ميديا و ما يحققونه من شهرة واسعة و أموال طائلة شريطة أن يعتنقوا عدة مذاهب جديدة أهمها التفاهة و أبرزها الصفاقة و الرزيلة و المتاجرات الرخيصة بالأعراض و الخصوصيات التي نالت حتى من براءة الأطفال.


و الكارثة الأكبر هي هذا الكم الهائل من المنساقين أو كما يسمونهم المتابعين الذين يقدرون بالملايين لهؤلاء الذين شكلوا مرضاً خبيثاً يضرب بكل قيم المجتمع و الدين و الأخلاق عرض الحائط .

و كيف نمنع أبنائنا من الخوض في دهاليز هذا العالم الفاسد الذي استغرق به الكبير قبل الصغير ، دون لحظة تفكير متعقلة أن هذا الإنسياق حتى و إن كان من باب الفضول ما هو إلا ترسيخاً و تمكيناً لهؤلاء المفسدين عن طريق زيادة القاعدة الجماهيرية من المتابعين حتى و إن كانت متابعاتهم و تعليقاتهم كلها سلبية .


فكل ما يعني هذا القطاع المستجد من نجوم العالم الإفتراضي عدد الإعجابات و التعليقات و المشاركات حتى و إن كانت كلها سب و قذف. فمن ذا الذي يقوى على تقييم  أداء هؤلاء ليمنحهم جواز المرور أو المنع  لما يشكلونه من خطر داهم على وعي أجيال ما زال بمرحلة التشكيل ؟


و من الذي يستطيع أن يمنع فلان أو علان من طرح نفسه أو  من يتابعونه ليمنعهم عن هذه المتابعة التي تعزز و تقوي شوكة هذه الشرازم السامة بالمجتمع؟


و بما أن من الهموم ما أضحك، سأروي لكم في عجالة ما يؤكد حجم الكارثة التي نراها و نعلم مدى خطورتها دون حيلة تملكها أيدينا:


" ذات يوم  سمعت دون قصد مساعدتي بالمنزل تتشاجر مع أحد على الهاتف ، وده لأن صوتها عالي جداً،ثم سألتها ( ايه المشكلة) ، فحكت لي أن هناك حرباً متبادلة بين ابنتها و إخوتها  على "الفيز" كما تنطقها لأنها لا تعرف حتى القراءة و الكتابة و كله سماعي،  و ما يتم تبادله من شتائم و فضائح و اتهامات تخرب بيوت زي ما بيقولوا "


سمعت قصتها الغريبة لأدرك أن هذه المنصات لم تقتصر فقط على تضييع الوقت و نشر التفاهات و الشائعات و الرذائل و الإبتزازت ، بل تخطت ذلك لما هو أبشع و أدل سبيلا، إذ أضيف لها أيضاً أوبشن جديد و هو أن تفسح مجالاً للخناقات و التشهير و تبادل العداء و فضح الآخر  بما لها من سرعة انتشار و سهولة أداء "


{في حين تلتزم وسائل الإعلام بضوابط و قيود واجب تنفيذها} :

و بالرغم من خطة تطوير الإعلام التي يتم تنفيذها ، لكن هناك هوة شديدة الإتساع بين سرعة و سهولة و قوة جذب وسائل التواصل و بين وسائل الإعلام المختلفة ، فالخطأ التراجيدي الذي وقعت به منصات الإعلام المسموعة و المرئية و المكتوبة ، هو عدم التطور لسنوات طويلة و عدم طرح ما يناسب جميع الأذواق و جميع الأعمار و جميع المستويات التعليمية و الثقافية  مثلما كان بالماضي عندما لم يكن هناك سوى ثلاث قنوات محلية وواحدة فضائية ، ما يزيد علي عشرين عاماً  مضت بعد ظهور القنوات الفضائية قد تقلصت نوعية المادة الإعلامية المطروحة لتقتصر على برامج التوك شو الذي كان ساحة للنزاع و الأصوات المرتفعة تحديداً بعد يناير ٢٠١١ و حتى وقت ليس ببعيد، و كان هذا التراشق و الخلاف الحاد أهم عوامل نجاح مقدم البرنامج ، و النوع الثاني من البرامج للمسابقات و الغناء و الرقص ليس إلا ، إلى أن تم الإنتباه إلى ما أصاب منظومة الإعلام من هلهلة و تراجع بعد قرارات سيادة الرئيس الذي لا يتم إصلاح شئ إلا إذا تدخل به بنفسه  ، و من وقتها بدأت خطة تطوير الإعلام بكل وسائله ، و لكن : في غفلة من الزمن و بتوقيت كانت البلاد تعاني أزمات متلاحقة ، تسللت خلسة سموم السوشيال ميديا و تخرج نجومه و نجماته من مدرسة اللاشئ لتزداد سطوته و تتسع قاعدته و تستفحل أضراره عن منافعه ، دون قدرة لوسائل الإعلام علي ملاحقته و استقطاب جماهيره.


نهاية :

أناشد عقلاء هذا الوطن بالحذر ثم الحذر  في التعامل مع السوشيال ميديا ، بألا تكون مرآة يرى بها الآخرين الحياة الشخصية لبعضهم البعض  ، و ألا يطرح رواد التواصل تفاصيل حياتهم اليومية لحظة بلحظة بأدق خصوصياتها للآخرين مشاعاً ، فهناك من المتربصين الذين يديرون حسابات وهمية لأشخاص غير موجودين أو حتى منتحلين لشخصيات حقيقية ، يترقبون و يدبرون للحظة الإنقضاض على الهدف تماماً مثلما ينقض الحيوان المفترس على فريسته بلحظة ضعف يحددها هو .


كما أناشد الجهات المسؤولة عن تقنين أوضاع استخدام وسائل التواصل المختلفة بتشديد الرقابة على كل متجاوز و تغليظ العقوبة على كل مجرم من عصابات الإنترنت .


و أخيراً ، أناشد جميع وسائل الإعلام و أصحاب الرأي و الكلمة و ذوو التأثير ، بضرورة وضع خطة عاجلة لتوعية المواطنين بمخاطر سوء استخدام وسائل التواصل و الإستغراق التام بها و كيفية التعامل بشكل سليم يوفر الحد الأدنى للأمان و الإستفادة بمنافعها و تجنب أضرارها التي لا تعد و لا تحصى .


و هذه دعوة مني لجميع الزملاء الأفاضل بالإنضمام لهذه الحملة ، لعلنا نحمي أنفسنا و أهلينا و بني وطننا  من شرور  لا يعلم مداها إلا الله .